اقتباسات من الكتاب 2

[Montasir]

طالب كاستيليو بشهادة خطية عن الحادثة قبل ان يغادر جنيف
وهكذا كان كالفن مضطرا ان يوقع بخط يده
الوثيقة ما زالت موجودة الى يومنا هذا في مكتبه بازل ويمكن معاينتها
ان كاستيليو لم يعين في وظيفة القسيس بمجرد وجود اختلاف في مسالتين لاهوتيتين فقط
وفي نص الوثقيقة
حتى لا يغدو بوسع اي كان ان يفترض اسبابا اخرى لمغادرة سباستيان كاستيليو نشهد بهذه الافادة
وبكل احترام ان تنازل بارادته الحرة عن وظيفته كمدرس التي كان اداها بطريقة جعلتنا
نعتبره جديرا بتولي مقام الداعية واذا كان مع ذلك لم يعين فليس ابدا وباي حال
لانه يمكن ان توجد في سلوكه شائنة ما وانما للاسباب المذكورة اعلاه فقط

ان الابعاد القسري من جنيف للعالم الند الوحيد يعني لاستبدادية كالفن نصرا
لكنه في الحقيقة انتصار وهمي ذلك ان خروج العالم الرفيع التقدير من الوظيفة
سينظر اليه باسف على انه خسارة قاسية وسوف يصرح علانية انه
تمت الاساءة الى الاستاذ كاستيليو من خلال كالفين
وفي عموم المجال الكوني للدراسات الانسانية كشفت هذه الحادثة للمهتمين ان كالفن
لا يتسامح في جنيف الا مع الببغاويين والقرديين وبعد مئتي سنة ضرب فولتير
المثل بقمع كاستيليو على انه الدليل القاطع على ذهنية كالفن الاستبدادية
"
يمكن للمرء قياسها بالملاحقات التي تعرض لها كاستيليو وهو العالم الكبير الذي يفوق كالفن ذاته بمراحل
والذي طرد من جنيف بسبب حسد كالفين
"

ما ان اشعل كالفين النار محرقا سيرفيت حتى خرجت الكلمات من فم كاستيليو محرقة مدينة لكالفين
ما ان اعلن كالفين الحرب على كل صاحب ضمير حي حتى رد عليه كاستيليو باسم الضمير
بحرب فيها حياة او موت

القول بان شيئا من دون كيشوت يكمن في سريرة كل اسباني تكرر دائما الى حد الملل
ومع ذلك فتلك ملاحظة رائعة بل وبصدد ميغيل سيرفيت

حتى ان لوثر وتسفينغلي وكالفين المجددين الشجعان كانوا في نظر سيرفييت ليسوا ثوريين بما يكفي
لتطهير الانجيل اذ هم يستعيدون في عقيدتهم نظرية الثالثوت الاقدس
اما سيرفيت فبعناد ابن العشرين اعلن مجمع نيقية لاغيا وان نظرية الاقانيم الثلاقة تتناقض
مع وحدة الذات الالهية

وبفارغ صبر زار كبار الحكماء في عصره
مارتن بوسر وكابيتو و اكولامباديوس في بازل ليطالبهم بالغاء النظرية الخاطئة بشان الثالوث الاقدس
في الكنيسة الانجيلية باسرع وقت , والان بوسع المرء ان يتصور بسهولة الارتياع الذي انتاب اولئك الدعاة الاساتذة
الناضجين المحترمين , اذ فاجئهم دخول ذلك التلميذ الاسباني الذي لم تنبت لحيته بعد عليهم
الذي طالبهم بكل التهور المميز للمزاج الهستيري القوي بان يلغو فورا كل مفاهيمهم وان ينضمو
طيعين لطروحاته الراديكالية .
كما لو ان الشيطان بذاته حل في مكاتبهم فرسمو اشارة الصليب في وجه هذا الزنديق الوحشي
اوولامباديوس طرده من البيت كما يطرد الكلب ووصفه بانه يهودي تركي مجدف به مس من الشيطان
بوسر شهر به من المنبر بعتباره خادم ابليس
اما تسفينغلي فحذر علانية من مدنس الحرمات الاسباني الذي يريد ان يدمر ديانتنا المسيحية
بكاملها بنظرياته الخاطئة الشريرة

وذا رفض الحكماء والاذكياء الانصات اليه في مكاتبهم فينبغي انئذ خوض النضال علانية
وليقرا العالم المسيحي براهينه في صيغة كتاب ! كان في الثانية والعشرين حين جمع ما لديه من
مال وبه دفع نظرياته الى مطبعة في مدينة هاغناو وكان ذلك نذير العاصفة
وها هو بوسر يلعن من منبر الكنيسة حرفيا من دون زيادة او نقصان ان هذا المجرم يستحق ان تنزع احشاؤه من جسده الحي

من المفهوم ان رجلا وضع نفسه في مواجهة العالم باسره بهذا الاسلوب الاستفزازي
واعلن ضلال العقائد الكنسية لدى الكاثوليك والبروتستانت في ان معا انه لن يجد في عموم العالم
الغربي المسيحي مدينة يأوي اليها في هدوء
ولا بيتا ولا سقفا ومنذ ان جعل ميغيل سيرفيت نفسه مذنبا بكتابه الزندقة الارية
اصبح اكثر عرضة للمطاردة والخطر من حيوان متوحش

وان يكتب المرء الى شخصية سلطوية الى اقصى حد مثل كالفن الذي تتهيج مرارته من ادنى اعتراض على
اتفه الصغائر على النحو التالي : لقد حذرتك مرارا من انك تمضي في الريق الخطأ بما انك توافق على التمييز الهائل
بين الاقانيم الالهية الثلاثة
فهذا يعني انه يثير بشكل خطر خصما خطيرا اساسا , لكن حين يرسل من كتاب تعاليم الديانة المسيحية
الى بيت مؤلفه ذي الشهرة العالمية , وبها على غرار ما يفعله استاذ مع تلميذ , هوامش على جوانب
الصفحات بشأن الاخطاء المفترضة , يمكن للمرء بسهولة ان يتصور ردة الفعل التي استقبل فها سيد جنيف
هذه الاهانة من لاهوتي هاو , كتب كالفين الى صديقه فاريل مزدريا
لقد انهال سيرفيت على كتبي ولطخها بملاحظات مهينة مثل كلب عض حجرا وراح يقضمه من كل جانب

فيم اضاعة الوقت ولماذا الجدل مع مهووس من هذا النوع لا رجاء في شفاءه ؟ وبركلة واحدة قضى على
حجج سيرفيت : لا القي بالا الى كلمات ذلك المخلوق كما لا اهتم بنهيق الحمار

لكن الدون كيشوتي المشؤوم لم يكتشف في الوقت المناسب انه يهرول واعيا برمحه النحيل
في مواجهة عربة مصفحة بالصلب ولا يتراجع. والى ذلك الشخص بالذات
الذي لا يريد ان يعرف عنه شيئا , اليه وحده
توجه سيرفيت بقصد استمالته لصالح فكرته

كتب كالفين الى صديقه فاريل - وسيكون للكلمات التالية ثقل مرعب في وقت لاحق - قائلا
كتب لي سيرفيت حديثا رسالة وارفقها بمجلد سميك به اضغاث احلامه السخيفة مستبيحا
لنفسه الحق في الزهم بشكل لا يصدق انني ساقرا فيها اشياء مدهشة
واوضح انه مستعد للمجيئ الى هنا اذا كنت ارغب في ذلك
لكنني لن اقول كلمتي بهذا الصدد ذلك انه لو جاء فلن اسمح له طالما
ما زال لدي تاثير ما في هذه المدينة ان يخرج منها حيا

كتب سيرفيت الى كالفين
اما وانت ترى انني بالنسبة اليك شيطان فانني انهي الموضوع
رد لي مخطوطتي وابق بخير , اما اذا طنت تعتقد حقا ان البابا مخالف للمسيح
فينبغي ان تقتنع ايضا ان الثالوث الاقدس وعمادة الاطفال التي تشكل
جزءا من مذهب البابا هي عقيدة شيطانية

لا ينسى كالفين شيئا ولا احدا
عندما يحقد على انسان لا يتوقف في حقده عند حد
هكذا قال عنه القسيس دو لامار وان اسما كتب ذات مرة في تلافيف الحقد بالقلم الادواز
لن يمح قبل ان يمحى صاحبه ذاته من كتاب الحياة واذا مضت السنوات الطويلة ساكنة ولم
يسمع كالفين خلالها شيئا عن سيرفييت فلا يعني ذلك انه نسيه
بصمت احتفظ برسائله المشبوهة في خزانته وبالسهام في جعبته وبالحقد
القديم الحتمي في نفسه الحادة التي لا ترحم

وما سيبدو الان يفوق المعقول : بعد هذه المحاولة السيئة لربط الله بمسائل الحقد البشرية
او بالاحرى اللاانسانية , ها هو البروتستانتي الطيب المقتنع بكنيسته
بسلم التفتيش الكاثوليكي الادلة القاتلة التي تتجاوز الخيال وتحديدا رسائل سيرفيت
بخط يده وبعض صفحات من مخطوطة كتابه والان بوسع القاضي المحقق
في امور الزندقة ان يبدا عمله بسرعة وراحة

من المفهوم ان هذه الرسائل والمقاطع المختارة من المخطوطة هي التي كانت قد ارسلت الى كالفين
الذي يعرف تماما وهذا امر حاسم لمن تتوجه حين استخرجها من خزانته
وهو يعرف ليد من بالضبط سوف تنتقل هذه الرسائل
الى البابويين ذاتهم الذين يسميهم خدم الشيطان في خطبه التي يلقيها من المنبر
وهم ذاتهم الذين يعذبون اتباعه ويحرقونهم وهو يعرف تماما الغرض الذي
جعل كبير المفتشين يلح في طلب هذه الرسائل
لاجل ان يتم اقتياج سيرفيت الى المحرقة

لذلك ذهبت عبثا محاولته اللاحقة ان يزور الوقائع حيث كتب بسفسطة
"
تروج الشائعات القائلة بانني مارست ما كان من شانه ان يجعل التفتيش البابوي يلقي القبض على سيرفيت
والبعض يقول انني ما تصرفت بطريقة شريفة , منعت تسليمه الى اعداء العقيدة او حالت دون رميه في حلق الذئاب
لكن ارجوكم باي طريقة تسنى لي فجأة ان اعقد اتصالات مع الدوائر البابوية ؟ والاعتقاد بوجود تبادل بيني وبين الذين
هم في نظري كما ابليس بالنسبة للمسيح او تشارك في التامر لار ضعيف المصداقية
"
بيد ان منطق هذه الالتفافة على الحقيقة يخلو تماما من اللباقة فعندما يتسائل كالفين
متلعثما باي طريقة تسنى لي فجاة ان اعقد اتصالات مع الدوائر البابوية ؟
فان الوثائق تقدم له ردا له وقع الصاعقة : من الطريق المباشر عبر صديقه دو تري الذي بالمناسبة
في رسالته الى ارنيس ذكر بطريقة ساذجة مساعدة كالفين له
"
يجب ان اعترف ان القطع التي ارفقها برسالتي كلفتني الكثير من المشقة لكي اخذها من السيد كالفين
ليس بسبب انه لم يكن من رايه ان مثل هذه التجديفات المشينة ضد الذات الالهية يجب ان تقمع
وانما مرد الامر الى انه يعتقد ان واجبه كشخص ان يقنع المارقين بالحجة لا ان يطاردهم بسيف العدالة
"
واختتم الرسالة بهذا التنبيه , اعتقد انني سلحتك بمواد جيدة ولم تعد هناك اي صعوبة في السيطرة على
سيرفيت وفي اقامة الدعوى ضده

اما مخطط كالفين الذي تم تدبيره بمهارة فلقد باء بالفشل الذريع اثر هرب سيرفيت من السجن
وينبغي لكالفين ان يتحمل شخصيا المسؤولية وان يبقى الدم على يديه وان يلقى كراهية انصار الانسانية جميعا

تمام نسي سيرفيت التعس والغضب بلغ الثمالة القصوى انه بلا حول ولا قوة وانه ما زال اسير قيده
فراح الرجل المستعر والزبد يرغي على فمه يطالب هيئة القضاة المكلفين بمحاكمته
انهم بدلا من ان يصدروا حكما بحقه ان يصدروه ضج خارق القوانين كالفن دكتاتور جنيف
"
لذلك ينبغي على هذا المشعوذ لا ان يعتبر مذنبا وان يدان فحسب بل وان يطرد من هذه المدينة
وان تؤول الي املاكه تعويضا عن ملكي الذي فقدته بسببه
"

بهذه الكلمات المرعبة عديمة المشاعر ختم ذلك المدعي المتعصب تقريره الذي سيدينه هو الى الابد
"
حيث انني لم انجح في مسعاي لا بالنصح ولا بالتحذير لم ارغب ان اكون حكيما باكثر مما يسمح به سيدي
انني اقتفي اثر قاعدة القديس بولس فابتعد عن هذا الانسان الزنديق الذي ادان نفسه بنفسه
"

وفي نور الخريف الساطع عكس انهيار ملامح وجهه الرمادي اثرا مخيفا


انتابت المدان الرعشة والقشعريرة وهو يستمع الى الحكم , في رهبة الموت جر نفسه على ركبتيه فدنا
من السادة القضاة وبتوسل حار رجاهم ان يمنحوه ادنى رحمة فيتحول قرار اعدامه حرقا الى قطع الراس بالسيف حتى
لا يقوده الالم المتضاعف الى اليأس , لو انه ارتكب الخطايا , فلم يكن لك بوعي منه
دائما اتبع فكرة واحدة : ان يكون سلوكه من اجل مجد الله , في هذه اللحظة ظهر فاريل بين القضاة والرجل الراكع
بصوت عال سال الرجل المشرف على الموت ما اذا كان مستعدا لان يجحد عقيدته التي تنكر الثالوث الاقدس
وبهذا يحظى بميزة الاعدام اللطيف . لكن معنويات سيرفيت ارتفعت في اللحظات الاخيرة بالذات
وقرر بحسم ان ينفذ كلمته السابقة انه مستعد في سبيل قناعاته ان يعاني من كل شيئ