زمن الظل الآخر زمن الظل الآخر discussion


3 views
زمن الظل الآخر

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by Nada (new)

Nada Awad " النجاح هضبة ذات اتجاهين، لا يمكن لك أن تتسلّقها إلّا إذا دفعتَ بمن يقف في طريقك إلى الأسفل !"

رواية: "زمن الظل الآخر" للأديب أنيس بن عمار رواية استثنائية. هي موجعة إلى حد الغثيان، وجميلة وشاعرية إلى حد الذوبان.

أحداث الرواية تدور في مدينة كريستاليا، المدينة التي يمكن لها أن تتوضع في أي بقعة على خارطة دول العالم الصناعي الاستهلاكي الذي يعِدُ بالسعادة والرفاهية والأمان. مدينة يُعاد فيها تشكيل الرغبة البشرية عن طريق الدعاية والتسويق بواسطة جرعات تخديرية متتالية، وهذا يتم بواسطة المنظومة التعليمية التي من خلالها يتم تحوير معظم الحقائق وذلك للتماشي مع آيديولوجيات الدولة.. كل ذلك يتم تحت بنود تمويهية عريضة تدَّعي: النزاهة، المصداقية والشرف...

هي مدينة لمّاعة كحبات الكريستال من الخارج، قابلة للكسر والتبعثر عند أقل الصدمات. في مثل تلك المدن لا يسود سوى منطق القوة، والقوة بمفهومها الخاص لها جناحان ذهبيان متمثلان في كلٍ من: المال واللقب... المال بإمكانه تحويل أية جنازة إلى عرسٍ إعلامي، والقوة تفرض على الانسان الابتسام وهو يدفع بخصمه إلى الحضيض!
النجاح يتلخّص بأن يكون الانسان جزءًا من عملية تدمير لأشياء، يضمن لنفسه فيما بعد عقود ترميمها... في هذه المدينة كل شيء قابل للبيع والشراء، هذا باستثناء القلب الذي لا يدخل ضمن بنود هذه المنظومة؛ حب إمرأة يعني فقدان ملكية النفس، وبالتالي تصبح الرؤية ضبابية ومشوشة... عدم السيطرة على القلب تعني فقدان كل شيء!

بالرغم من سوداوية الأحداث لدرجة الشعور بالاختناق واللاجدوى، إلّا أن الصور الشعرية والأسلوب الأدبي الأخّاذ جعلني أتوقف مراراً لأعيد قراءة بعض المقاطع مرة بعد الأخرى؛ فألسنة اللهب تتفرع كوردة نارية تلعق بأوراقها المتوهجة وجه الهواء الداكن.. ورقيقات الثلج تتبعثر على وجنة الهواء كحفناتٍ من غبار الفضّة ...

كي أكون موضوعية، في الرواية مقطعين وجدتهما سطحيين بعض الشيء، أولاهما حالة اليأس والمونولج الداخلي الذي دار في نفس ماديانا عند قرع أخيها أنطون للباب، أما الموقف الآخر فهو الشجار الذي دار في الليل بين أنطون وناديا. كان من الأفضل احترام فهم القارئ، وترك الأحداث والتفاصيل الأخرى لتتكفل بشرح نوايا الزوجين بشكل غير مباشر.

النهاية قد توحي بأن داخل كلٍ منّا طفل صغير. الانسان يولد على الفطرة، الظروف والمجتمع المحيط به هو الذي يعيد تشكيله من جديد... أما مواجهة الانسان لنفسه وسبر أعماق وسر وجوده فهو من أجمل ما تم طرحه في الرواية التي جاء فيها: عندما ينقطع الخيط الواعي بينك وبين نفسك، ويتهدم الجسر الفاصل بينك وبين الوجود. عندما تفقد الاصرار على البقاء حياً وتفقد الرغبة في الولوج إلى العدم. عندما تندثر آخر علامات "الرغبة"، ويتحول الجسد إلى ظل مواز للغرائز البدائية. عندما يتحول سليمان الناجي إلى مجرد رئتين يلتقطان أنفاس الهوء، وإلى لسان يمضغ الأعشاب وقِطع الخبز المتعفن. عندما يتحول إلى مجرد عضو يتبول، وإلى ثغرة في المؤخرة تتبرز. عندما يتحول إلى شفتين يجتاحهما الظمأ، وإلى معدة يحرق أليافها الجوع.... فهل هذا يعني أنه انحدر إلى أسفل سلم الكائنات، أم أنه بلغ درجة" الإدراك العليا"؟! درجة إدراك نادرة، جعلته يتخذ قرارًا بهدم نفسه إلى آخر ذرة.. فقط لكي يعيد بناءها من جديد


back to top