بعد سنوات انقضت كان العيد شيء آخر كان جامعا للشمل والأحبة والأصدقاء وأهل الحارة والخباز عم علي وصاحب البقالة بل كل أصحاب المحلات التي في الأحياء التي كنا نعيش بها. كان للعيد لون يجمع كل الأطياف وكان له رائحة تنبع منه أجمل وأعبق الورد والزهور والأطياب ممزوجة بروائح طيب وطيبة أهل ذلك الزمن الجميل. كان للعيد طعم الفرح والبهجة والسرور تنبعث داخل الأفئدة والأرواح التي يشع من وجوهها البساطة والتواضع وبوارق الأمل وصفو الحياة برغم كل ألامها وأحزانها وأوجاعها التي هي سنن من سنن المولى على كل البشر. ولكن لا تكاد تلك الآلام والأحزان والأوجاع أن تمضي سريعا ولا تعشش في تلك النفوس الأبية المؤمنة بقضاء الله وقدره بفضل الله عز وجل ثم بذلك التكاتف والتآزر والمواساة بين أهل الحي جميعا كلٌ بتلقائيته وطبيعته التي فطر الله الناس عليها. فلا تستطيع أن تتوارى وتنزوي عن الأنظار لأن هناك من يسأل (وإن لم يجدك في المنزل ترك علامة على الباب) ويتفقد ويبادر بتقديم كل أنواع العون والمساعدة بسرور ورحابة صدر وبشاشة محيا بدون أن يُسأل. لدرجة أن أصبح الجار القريب والبعيد أغلى من الرحم القريب الصلة البعيد المكان بحكم لقمة العيش فلا تدري نفس ماذا تكسب غدا. ياللعجب! فبتلك الفطرة وبالرغم من أمية الكتابة والقراءة تحقق قول المصطفى عليه الصلاة والسلام حين قال (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). وهناك العديد من الأحاديث التي تتحدث عن حقوق الجوار. لم يكن هناك مجال للأمراض النفسية والتوحد والإنفصام بين الفرد والفرد وبين الجماعة فالكل سواء بني آدم وآدم من تراب. لم يكن هناك مستشفيات صحة نفسية ولا شيوخ يقرؤون الرقية ولا أدعياء العلم والتنظير. ولم يكن هناك مجالا للجحود والنكران والخيانة لأن هناك كان ألف عقل وألف قلب وألف عين وألف نفس حرة صارمة لا ترضى إلا بفطرة الله التي جُبل الناس عليها. هكذا كانت سنين أعيادي فيما مضى. ولكن..... بعد كثرة الحل والترحال وفقدان الأبوين والأخلاء والأحباب وإنشغال الأخوه والأخوات وبُعد الأبناء. أمضيت عيدي مع نفسي. برغم مذاق مرارات الوحدة والفقدان والخيبات والحسرات والآلآم والندم على أحداث بعضها قدرها المولى كموت والدي رحمهما الله ورحم جميع أموات المسلمين. وبعضها الآخر بل جلها من نتائج سوء إختياراتنا وتسرعنا وسذاجتنا المفرطة في الناس وغرور حياتنا المادية المعاصرة وسرعة ايقاع أحداثها المتعاقبة.
فبوفاة والدتي مؤخراً إنتهى الفصل الأخير من تلك الحكاية الجميلة العذبة الذي وقعها يبعث السعادة والمرح والفرح والبهجة والسرور. حتى عندما أسترجعها لا أكاد إلا أن أتبسم وربما ضحكت بملء فمي. قضيت عيدي والحمدلله في سلام وصفاء وتصالح مع الذات والروح والعقل والنفس والجسد, بالرغم من بعض لحظات الحنين لكن النفوس التي تربت في ذلك الزمان القريب البعيد وتشربت من ألبان أمهاته وإباء أبائه لا ترضى أن تتلطخ صورة الماضي الجميل بالجحود والنكران والخيانة, على قول المثل (إلي ما له أول ماله تالي). قضيت عيدي وأنا أردد مع أوتاري ومشاعري وأحاسيسي المتواضعة وصوتي النشاز .... قمرة ورى الليل الطويل وجدار من طين وحصير وان هبت النسمة تكسر.
تكسر وجداً للوفاء ولوعةً للقاء وأنيناً للوجد وحنيناً لماضي لن يعود. تكسر من الأطماع والجشع والأنانية. تكسر من الخيانة والغدر وسرقة فرحة الآخرين. تكسر من الفضول والتدخل بشؤون الآخرين. تكسر من الغرور والإنغماس في صخب إيقاع الحياة السريع. تكسر وأنا أردد من النسيان وكل الزمان اللي مضى واللي تغير. فهناك صوتاً بداخلي يصرخ صرخة مدوية يصل صداها عنان السماء وأعالي الجبال. مداعباً مرج السهول وعمق المحيطات وغموض البحور. صرخة مفعمة بروح العطاء والحب والوفاء. وقلباً مليئاً بشرايين التلاقي وأوردة المدامة والوصال. صرخة تناديني هل ستأتين. فأنا لست شهريار هذا الزمان ولكنني مجموعة إنسان.
بعد سنوات انقضت كان العيد شيء آخر كان جامعا للشمل والأحبة والأصدقاء وأهل الحارة والخباز عم علي وصاحب البقالة بل كل أصحاب المحلات التي في الأحياء التي كنا نعيش بها.
كان للعيد لون يجمع كل الأطياف وكان له رائحة تنبع منه أجمل وأعبق الورد والزهور والأطياب ممزوجة بروائح طيب وطيبة أهل ذلك الزمن الجميل.
كان للعيد طعم الفرح والبهجة والسرور تنبعث داخل الأفئدة والأرواح التي يشع من وجوهها البساطة والتواضع وبوارق الأمل وصفو الحياة برغم كل ألامها وأحزانها وأوجاعها التي هي سنن من سنن المولى على كل البشر.
ولكن لا تكاد تلك الآلام والأحزان والأوجاع أن تمضي سريعا ولا تعشش في تلك النفوس الأبية المؤمنة بقضاء الله وقدره بفضل الله عز وجل ثم بذلك التكاتف والتآزر والمواساة بين أهل الحي جميعا كلٌ بتلقائيته وطبيعته التي فطر الله الناس عليها.
فلا تستطيع أن تتوارى وتنزوي عن الأنظار لأن هناك من يسأل (وإن لم يجدك في المنزل ترك علامة على الباب) ويتفقد ويبادر بتقديم كل أنواع العون والمساعدة بسرور ورحابة صدر وبشاشة محيا بدون أن يُسأل.
لدرجة أن أصبح الجار القريب والبعيد أغلى من الرحم القريب الصلة البعيد المكان بحكم لقمة العيش فلا تدري نفس ماذا تكسب غدا. ياللعجب! فبتلك الفطرة وبالرغم من أمية الكتابة والقراءة تحقق قول المصطفى عليه الصلاة والسلام حين قال (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). وهناك العديد من الأحاديث التي تتحدث عن حقوق الجوار.
لم يكن هناك مجال للأمراض النفسية والتوحد والإنفصام بين الفرد والفرد وبين الجماعة فالكل سواء بني آدم وآدم من تراب.
لم يكن هناك مستشفيات صحة نفسية ولا شيوخ يقرؤون الرقية ولا أدعياء العلم والتنظير.
ولم يكن هناك مجالا للجحود والنكران والخيانة لأن هناك كان ألف عقل وألف قلب وألف عين وألف نفس حرة صارمة لا ترضى إلا بفطرة الله التي جُبل الناس عليها.
هكذا كانت سنين أعيادي فيما مضى. ولكن..... بعد كثرة الحل والترحال وفقدان الأبوين والأخلاء والأحباب وإنشغال الأخوه والأخوات وبُعد الأبناء. أمضيت عيدي مع نفسي. برغم مذاق مرارات الوحدة والفقدان والخيبات والحسرات والآلآم والندم على أحداث بعضها قدرها المولى كموت والدي رحمهما الله ورحم جميع أموات المسلمين. وبعضها الآخر بل جلها من نتائج سوء إختياراتنا وتسرعنا وسذاجتنا المفرطة في الناس وغرور حياتنا المادية المعاصرة وسرعة ايقاع أحداثها المتعاقبة.
فبوفاة والدتي مؤخراً إنتهى الفصل الأخير من تلك الحكاية الجميلة العذبة الذي وقعها يبعث السعادة والمرح والفرح والبهجة والسرور. حتى عندما أسترجعها لا أكاد إلا أن أتبسم وربما ضحكت بملء فمي.
قضيت عيدي والحمدلله في سلام وصفاء وتصالح مع الذات والروح والعقل والنفس والجسد, بالرغم من بعض لحظات الحنين لكن النفوس التي تربت في ذلك الزمان القريب البعيد وتشربت من ألبان أمهاته وإباء أبائه لا ترضى أن تتلطخ صورة الماضي الجميل بالجحود والنكران والخيانة, على قول المثل (إلي ما له أول ماله تالي).
قضيت عيدي وأنا أردد مع أوتاري ومشاعري وأحاسيسي المتواضعة وصوتي النشاز ....
قمرة ورى الليل الطويل وجدار من طين وحصير وان هبت النسمة تكسر.
تكسر وجداً للوفاء ولوعةً للقاء وأنيناً للوجد وحنيناً لماضي لن يعود.
تكسر من الأطماع والجشع والأنانية.
تكسر من الخيانة والغدر وسرقة فرحة الآخرين.
تكسر من الفضول والتدخل بشؤون الآخرين.
تكسر من الغرور والإنغماس في صخب إيقاع الحياة السريع.
تكسر وأنا أردد من النسيان وكل الزمان اللي مضى واللي تغير.
فهناك صوتاً بداخلي يصرخ صرخة مدوية يصل صداها عنان السماء وأعالي الجبال.
مداعباً مرج السهول وعمق المحيطات وغموض البحور.
صرخة مفعمة بروح العطاء والحب والوفاء.
وقلباً مليئاً بشرايين التلاقي وأوردة المدامة والوصال.
صرخة تناديني هل ستأتين.
فأنا لست شهريار هذا الزمان ولكنني مجموعة إنسان.