عبث الأقدار عبث الأقدار discussion


11 views
عبث الأقدار

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

Ahmed Galal عبث الأقدار
#عبث_الأقدار
#نجيب_محفوظ

( واها ، إن الزمان يتقدم غير ملفت إلى الوراء و يُنزل كلما تقدم قضاءه بالخلائق و يُنفذ فيها مشيئته ، التى تهوى التغيير و التبديل لأنه ملهاته الوحيدة التى يستعين بها على ملل الخلود فمنها ما يبلى و منها ما يتجدد و منها ما يموت و منها ما يحيا و منها ما يبتسم شبابه و منها ما يرد إلى أرذل العمر و منها ما يهتف للجمال و العرفان و منها ما يتأوه لدبيب اليأس و الفناء )

هكذا قال الأديب النوبلى نجيب محفوظ فى رائعته التاريخية ( عبث الأقدار ) ، رغم إختلافى الكلى و الجزئى على مسمى الرواية لأسباب دينيه ، و إن كان نجيب محفوظ نفسه لم يختر لها هذا العنوان فى البداية بل كان عنوانها ( حكمة خوفو ) و لكن هذا العنوان لم يُعجب به الناشر ( سلامة موسى ) وقتئذ و أخبره أنه غير روائى و لن يحبه الناس فتم تغييره إلى ( عبث الأقدار ) ،
و الرواية نفسها تحكى أن لا شئ يجرى عبثا فى هذه الحياة فأحداث الرواية تخالف إسمها المُنكر فنجد محفوظ يقول بين طيات الرواية ( نعم سينتصر القدر فى النهاية ، سيقضى على آمال الطامحين فى مواجهته و يهزم كل فكرة قامت على أساس التحدى ...... )
و قال أيضا ( إن هزأنا من القدر فسوف يهزأ منا ) ،
لذلك نجد أن القدر هو بطل الرواية بلا منازع ، و على أساسه تدور الأحداث

هذه الرواية تعد أول عمل روائى لنجيب محفوظ بعد المجموعة القصصية ( همس الجنون ) و لقد نشرت سنة ١٩٣٩ و هى ضمن الثلاثية التاريخية التى بدأ بها نجيب حياته الروائيه ( عبث الأقدار ، رادوبيس ، كفاح طيبة )،
و لكن تميز محفوظ عن غيره بتبلور النزعة الوطنية القومية لديه ، و لقد كانت الفترة الزمنية التى كتبت فيها الرواية لها دور فى إبراز هذا العمل المهم ،
فلقد كُتبت أثناء الحرب العالمية الثانية و استيلاء القوى الإستعمارية الغربية على الشرق العربى و تقسيمها للبلاد و ضياع الهوية فكان لابد من وجود أدباء مثل محفوظ يحاولون الحفاظ على الهوية المصرية من خلال التنقيب فى التاريخ و تسليط الضوء على بقع تاريخية تعيد للناس هويتها و تجعلها تتمسك بقوميتها ، لذلك يقول محمد القاضى ( إن الرواية لا تكون تاريخية إلا إذا حملت من زمن كتابتها مشاغله الأساسية و قضاياه الراهنة ) ،
لذلك نجد فى الرواية أو تلك القطعة التاريخية الكثير من الإسقاطات على أحداث سياسية كانت تتزامن مع وقت كتابة الرواية ، و ذلك من خلال مزج الأسطورة بالتاريخ بالواقع و إبتكار أحداث ربما لم تحدث فى الحقيقة و لم يحكى عنها التاريخ بل هى محض خيال الكاتب لتخدم قضيته التى كتب من أجلها روايته فى هذه الفترة ،
لذلك فقد لاحظت إستخدام محفوظ لبعض المصطلحات الحديثة مما أفقد الرواية الجو التاريخى لها بعض الشئ ، فنلاحظ مثلا أنه استخدم لفظ العمال و الحديث عن حقوقهم أكثر من مرة و هى كانت لغة شائعة الإستخدام فى وقت كتابة الرواية مع بزوغ نجم الإشتراكية فى الأفق فى هذا الوقت و التى كانت لا تفتأ تتحدث عن حقوق العمال .
لذلك فأنا أقول - و هذا رأيى الشخصى - أنه قد يكون إرتباط الروائى الشديد بالواقع المحيط به عبأ عليه فى بعض الأوقات أثناء كتابة الرواية ، فكتابة الرواية يحتاج لخيال يقطعه عليه تعلقه الشديد بالواقع الذى سيظهر عفويا فى روايته و يفقدها شيئا و لو يسيرا من رونقها الروائى ،

الرواية تحكى حوالى عشرين عاما من تاريخ مصر و خاصة أحداث القصر الفرعونى إلا أن محفوظ كانت لديه قدرة عجيبة لتناسب الفترات الزمنية فى الرواية فلقد كانت متناسقة على حسب إختياره للأحداث التى انتقاها و رواها من كل فترة فلقد كانت الفترات الزمنية تتهادى دون إستعجال و لا إبطاء ،

ربما تكون نهاية الرواية متوقعة من البداية و هو وصول ( ددف رع ) لحكم مصر على حسب النبوءة التى بدأت بها الرواية إلا أن الأحداث التى ساقها محفوظ للوصول لتلك النهاية المتوقعة كانت غير متوقعة ،

الصراع النفسى لدى الملك خوفو و الذى اختلقه محفوظ فى روايته كان يخدم الإسقاط السياسى الذى أشرنا إليه فى البداية
فنجد أن الملك يتسائل :
الشعب لفرعون أم فرعون للشعب ؟!
و هو سؤال لم و لن يخطر ببال ملك فى رتبة إله فى أذهان شعبه ، إلا أنه يجوز أن يخطر ببال فرعون محفوظ فقط الذى نحت شخصيته بخياله ، و استخدم الرمز و الإسم التاريخى فقط ، و نجده أيضا يتسائل : هل ينبغى أن تشقى ملايين النفوس الشريفة من أجل مجده ، هل ينبغى أن يولى ذلك الشعب النبيل وجهه قبلة واحدة هى سعادته هو ؟!
هذه أسئلة طرحها فرعون الذى فى خيال محفوظ و أظن أن أى فرعون أو أى حاكم متجبر لم يخطر بباله هذه الأسئلة مطلقا ، إلا أن يكون هذا الفرعون الذى تخيلته روح محفوظ الشاعرية الحالمة .
الرواية لغة سلسلة و محكمة ، أما الحبكة القصصية فيها تدل على أنها كانت من بدايات محفوظ نظرا لإختلاقه بعض الأحداث الغير متوقعة للوصول للنهاية المتوقعة ،

لكنها كانت بداية واعدة لأديب واعد ، فهى رواية تجعلك تركب آلة الزمن و تحط بك أزمن غابرة و تجعلك تعيش الأجواء من أول سطر فيها

الرواية شيقة و التصوير الروائى فيها مكتوب بحرفية عالية ، و هى العادة التى لازمت محفوظ فى بقية رواياته و لقد كان واضحا من البداية إتجاهه لهذا النوع من الأدب ( أدب التصوير ) ،
فقبل أن يجعلك تخوض أحداث الرواية يجعلك تتهيأ نفسيا للرواية و تعيش فيها من خلال تصوير الحدث و الزمان و المكان التى ستدور فيه الأحداث ،
لقد استمتعت و استفدت كثيرا من الرواية
و إن كنت قد ظننت أنه من خلال هذه الرواية ستزيد معلوماتى التاريخية أكثر عن تلك الفترة المهمة فى تاريخ مصر القديمة إلا أن محفوظ أغفل الجانب التاريخى لحساب الجانب الأدبى الذى تجلى فى الرواية بكل وضوح .

رحم الله الأديب النوبلى ، لقد فقد الأدب العربى و خاصة المصرى الكثير و الكثير برحيله .

#رحال_بين_السطور
#أحمد_جلال


back to top