قهوة علي مالك قهوة علي مالك discussion


4 views
سيرة ذاتية لقهوة علي مالك

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by Megahed (new) - added it

Megahed At-taieb  
السنة السابعة عشر- العدد6840
20من يناير1018
‏3 من صفر 1431 هــ
الأثنين
الأهرام المسائي
محمود الورداني يكتب سيرة ذاتية لقهوة علي مالك



أغلب الظن أن مجاهد الطيب تردد كثيرا قبل أن يستقر علي تحديد جنس محدد لـقهوة علي مالك الكتاب الصادر عن دار شرقيات أخيرا ثم حزم أمره‏,‏ وكأنما ليتخلص من الأمر برمته‏,‏ وأطلق علي الكتاب اسم متوالية سردية‏.‏

والحقيقة أن هناك مشكلة لا أظن أن أحدا توقف امامها ولا أدري ما إذا كان السبب هو عدم أهمية تلك المشكلة‏,‏ أم لأن النقد أمامه مشكلات كبري تفرغ لها‏(‏ وإن كان لا أحد يري أي نتائج لهذا التفرغ الطويل‏,‏ الذي يشبه نوما طويلا‏!!)‏ ولأنني لست ناقدا‏,‏ فربما امتلكت قدرا من الجرأة يجعلني أناقش هذه المشكلة‏.‏

المشكلة ببساطة هي أن بعض الكتاب لا يكتبون القصة القصيرة او القصيدة او الرواية‏,‏ بل يكتبون جنسا آخر سبق لاستاذنا ادوار الخراط ان أطلق عليه عبر النوعية ويقصد به في حقيقة الأمر معني آخر مختلفا تماما عن المعني الذي سوف احاول توضيحه‏,‏ أظن انه كان يقصد ذوبان الحدود بين الأنواع الأدبية وامتزاجها معا في نص واحد‏,‏ وربما كان السبب هو انه كان هناك عدد من الكتاب في الثمانينيات يكتبون نصوصا تمتزج داخلها الأنواع الأدبية المختلفة‏.‏

أما ما اقصده فهو ما ورد مثلا في كتاب علاء خالد ألم خفيف كريشة طائر مثلا‏,‏ أو بعض ما نشر في مجلة امكنة او بعض ماينشر متخفيا تحت عنوان نصوص مثل كتاب ممدوح رزق بعد كل إغماءة ناقصة‏,‏ او قهوة علي مالك الذي نشر تحت لافتة متوالية سردية‏.‏

سوف أعود إلي هذه النقطة فيما بعد‏,‏ لكن يبدو لي أن قهوة علي مالك كتاب لم يكتبه كاتب مبتديء‏,‏ بل كاتب محترف عجوز وماكر يمتلك بامتياز كل أدوات الكاتب المحترف‏,‏ ربما كان المسعي الاساسي الذي يتوجه اليه مجاهد الطيب هو الإمساك بتلك اللحظة الهاربة‏,‏ ليس علي طريقة التعبير الشائع المبتذل استعادة الزمن الجميل بل مجرد الإمساك فحسب بتلك اللحظة الهاربة‏,‏ انها لحظة وسيرة ذاتية في الوقت نفسه للقهوة‏

مهما كانت موجزة او حتي مكبوحة‏,‏ خصوصا ان الكاتب لم يكد يتجاوزها إلا مرة واحدة بين صفحتي‏39‏ و‏42‏ فقط‏,‏ حين قرر ان يسير قليلا مع الراوي خارج فضاء مصر الجديد وعين شمس‏,‏ علي كورنيش الاسكندرية‏,‏ بعد أن تقدمت السن بالراوي وذهب لطلب العلم في الجامعة‏,‏ وأتيح له ان يشهد المشهد الجلل‏,‏ حين صعد مطرب الكلية المتخرج حديثا انذاك إيمان البحر درويش بقدم مكسورة لإصابة كروية‏,‏ لينشد دون موسيقا علي نفس لحن بلادي بلادي‏:‏

الهي الهي
أنت عزي انت جاهي

باستثناء هذا الخروج الخاطف جدا‏,‏ والذي يشكل حقا إطلالة خاطفة علي بدء الطعنات الموجهة للدولة المدنية في مصر‏,‏ وتفصل بين عالمين‏,‏ وهو ما لا اظنه مصادفة‏,‏ إلا أن مجاهد الطيب اكتفي بهذا الخروج الخاطف‏,‏ وتفرغ طوال صفحات الكتاب للتأريخ لجانب لايعرفه سواه من ملامح مصر الجديدة‏,‏ عندما يتحلق مجموعة من المهمشين حول قهوة المعلم مالك الصغيرة‏,‏ والتي لا تتجاوز دكتين او ثلاثة‏,‏ ويبعثون حياة صاخبة تضج بالبهجة والصخب‏,‏ يصدح فيها الشيخ عبدالباسط عبد الصمد ماتيسر من سورة يوسف‏,‏ وتمنح أم كلثوم عشاقها كل ما يتمنون‏.‏

قسم الطيب كتابه قسمين رئيسيين‏:‏ حكاية قديمة‏,‏ وأطراف الحكاية‏,‏ ويضم كل منهما عناوين فرعية وجاء سرده سلسلا يتدفق بسهولة ويسر‏,‏ خصوصا وهو يملك لغة سليمة رشيقة خالية من الزوائد‏,‏ فنية حقا‏,‏ منحت صاحبها القدرة علي إسقاط الجهامة والجدية المفتعلة‏,‏ مع خفة دم محسوبة‏,‏ لا يكتب الطيب حكاية عن الزمن الجميل‏,‏ لكنه يملك خبرة انسانية غنية بقهوة علي مالك‏,‏ وقدم من خلال علاقة الراوي بأبيه واحدة من أكثر العلاقات الإنسانية حميمية وخصوصية حتي أن الراوي الذي يعمل في غير أوقات الدراسة صبيا لأبيه في المقهي يتردد كثيرا‏:‏ هل يناديه‏:‏ أبا‏..‏ أم يامعلم‏.‏

من جانب آخر لايسقط الكاتب في غواية تقديم التناقض بين ضاحية مصر الجديدة محل سكن الأثرياء‏,‏ وبين ساكني عين شمس العشوائية‏,‏ ويكتفي بلمحات سريعة‏,‏ فما يهمه في المحل الأول هو الكتابة عن زبائن القهوة الذين يعرفهم جيدا من الباعة والسريحة والحرفيين‏,‏ مثلما يعرف صغار المقاولين والعاملين في طائفة المعمار ممن شيدوا بيوت عين شمس‏,‏ لذلك كتب عن هؤلاء واولئك كتابة تقطر حنانا وصدقا‏,‏ ببساطة لأنه يعرفهم جيدا ولا يتعامل معهم بوصفهم نماذج للطيبة والنقاء والاستقامة‏,‏ بل بوصفهم بشرا حقيقيين‏,‏ واستطاع عبر‏91‏ صفحة ان يرسم لوحة عريضة تمتد افقيا لقهوة صغيرة اختارها الغلابة مكانا لراحتهم القصيرة في ضاحبة الأثرياء‏.‏

والحال أن مجاهد الطيب لم يكتب حكاية‏,‏ بل أمسك بلحظة هاربة من كل أطرافها‏,‏ وصاغ من العلاقات العابرة لزبائن القهوة لوحة إنسانية شديدة البراح والاتساع‏,‏ وربما كان من بين أهم انجازات عمله الخاطف الابتعاد الصارم عن الشجن والأسي والغناء الأجوف عن الزمن الناصري علي حد تعبيره‏,‏ وتقديم هؤلاء الناس الحقيقيين بخيرهم وشرهم‏,‏ وليس بوصفهم نماذج دالة علي زمن أبله كان الناس يرفلون فيه في صفوف السعادة والبهجة‏!‏

تنتمي قهوة علي مالك التي اضطر كاتبها لأن يضع لها عنوان متوالية سردية لكتابة مختلفة تسعي للتحرر من المقولات النقدية سابقة التجهيز‏,‏ ولا أظن ان هناك اي ضرورة لأن نسجن الكتابة داخل هذا الإطار أو ذاك‏,‏ ثم ان اختيار الكاتب للخروج عن الأطر المستقرة حق طبيعي بل ربما كان واجبا‏,‏ والفيصل هو المنتج ذاته وتأثيره في القاريء‏.‏

إن أعمال هنري ميلر المترجمة علي سبيل المثال ــ والسير الذاتية او شبه الذاتية مثل الاوردي لسعد زهران‏,‏ فضلا عما اشرت إليه من أعمال في السطورالسابقة‏,‏ إن مثل هذه الأعمال لا تحتاج لسجن او حتي قفص حديدي صغير فوقه لافتة تحدد نوعه‏.‏

قهوة علي مالك إذن هي لحظة هاربة تضم صورا بصرية خاطفة‏,‏ لكنها بالغة الدقة لأنواع الشاي وصنوفه وأسرار صناعته‏,‏ وأصول شغله‏,‏ ليس بوصفها كارت بوستال بل بوصفها خبرة إنسانية يسلمها الأسلاف للأبناء‏.‏ كل هذه التفاصيل وغيرها منحت كتاب الطيب القا خاصا وخاطفا‏,‏ ولا يحتاج هذا الألق لأن نسجنه في قفص حتي لو كان متوالية سردية علي حد تعبير الكاتب‏.‏

وأخيرا‏...‏ شعر كاتب هذه السطور ان مجاهد الطيب مارس كبحا شديدا ليس لدي الدليل علي ذلك لكنه مجرد احساس وضغط كتابه قسرا‏,‏ وأظن أن لديه الكثير مما يستطيع ان يضيفه للكتابة أيا كان الجنس الذي يختاره‏,‏ وإذا كان هذا هو كتابه الأول‏,‏ فقد قطع اشواطا طويلة في مضمار شاق‏,‏ وأتمني ان يواصل ركضه‏.‏



file:///F:/%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%A9%2...


back to top