طوق الياسمين طوق الياسمين discussion


8 views
إبجاع آخر أكتشفة متؤخة ، لكن الوصول متؤخر خير من الذي لا يصل أبدا

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

Fatima Benahmed طوق الياسمين .مكان جميل حسب وصف الكاتب ،خضرة و مصبات مياه ، عطر الأعشاب الاستوائية و الياسمين الشامي، حبات الضباب المخملية التي تحتضن المكان و تلفّه كأنه يسبح بين الغيوم ، العبور بالعوامة ممّا يزيذ المكان رومنسية ، فالوصول إلى مقام الولي الصالح " سيدي محي الدين ابن عربي" جلّ الأولياء الصالحين يرقدون في أماكن دائما ما تكون قريبة من المياه ، بحر ، نهر، وادي أو حتى بئر.
تنتهي الحكاية بموت مريم ، أقصد تبدأ الحكاية بالوقوف على قبرها وفاء لذكراها لأنها حبيبة لا تُنسى و عملا بوصيّتها الأخيرة، مع الصديقة "سلفيا" حبيبة "عيد عشاب" التي ظلّت وفيّة هي الأخرى لروح حبيبها رغم مرور عشرون سنة على رحيله ، حبيب حرمتها منه الأديان فقتلته حرقة الحرمان من حبيبته التي لم يجد أي سبيل للظّفر بها أمام عادات و تقاليد المجتمع و تصلّب الأديان
و حساسيتها في هذا المكمن بالذات .
تُحكى " طوق الياسمين " بثلاث أصوات نسمع آلام "عيد عشاب " عبر مذكّرات يخّط فيها كل ما يجول بخاطره عن يومياته في الغربة و تخلّي والده عنه و عن حظّه من الألم بسبب حبّ ميؤوس منه ، يروي عجزه في الوصول إلى حبه " سلفيا" رغم اتّخاذ كل الأسباب المتاحة و الغير متاحة له إلى أن يغرق في المشروب ممّا أدّى به إلى التآكل و تسلّط الأمراض به لينتهي إلى ظلمة الموت .
كما نسمع صوت مريم و حبيبها ، و هما في صدد تبادل رسائل الشوق و الصّبابة يحكيان من خلالها قصّتهما كل واحد من وجهة نظره ، الرسائل لم تكن منتظمة زمنيا و تتخلّلها بين الفينة و الأخرى ورقات اليوميات لصديقه "عيد" و بهذا توّهنا الكاتب معه مما شكّل تحدّيا في فهم الرواية ، لم تصلنا الرواية على طبق الفهم السّهل . كان علينا جمع الأحداث و العودة أحيانا إلى رسائل سابقة للتنسيق.
مريم لا تكفّ عن اللّوم و العتاب لتخليّ حبيبها عنها في لحظة تمسّكه بحريّته باعتباره للزّواج مهنة فاشلة فيما ظلّت هي مصرّة على حقّها في الأمومة ، التي تعتبرها المرأة عموما دورها الأول في الحياة و انعدامها يؤدّي بها إلى التعاسة
و الشّقاء ، ممّا أدّى الى انغلاق السّبل بينهما ، و تحكي مريم أيضا عن معاناتها
و ظروفها العائلية القاسية.
فيما لا يكلّ الكاتب و لا يملّ من الدّفاع عن فلسفته في العيش بحريّة و في نفس الوقت لا ينوي التّخلّي عن مريم بل و يريد إقناعها بالبقاء في قلب المغامرة مع الحياة و عدم التّخلي عن حبّهما بسبب ضعفها أمام سنّها المتقدّم الذي لا يشكّل عنده أي عائق ، يحاول جاهدا إقناعها أن لا عقدة في ذلك و أنّها تضخمّ الوضع
و أنّهما لا يزالان عصفوران يجولان مدن الغربة بلا قلق من عيون ترقب تحرّكاتهما يحلّقان في سماء ممطرة تختبئ هي تحت معطفه الخشن و يضمّها هو تحت جناحه .
اختارت مريم الزواج من أجل الانجاب و تمسّك هو بحريّته ، أي حريّة في ظل وحدة قاتلة لرجل لم يعد يرى النّساء إلا وجه مريم ، و أيّ زواج لامرأة يسكنها حبيبها حدّ الهبل ظلّت متعلّقة به تتصيّد الفرص لرؤيته كمراهقة لا تدري عمّا تبحث ، ماذا تفعل امرأة يقتلها الحبّ و يلتهمها الشّوق؟ و ظلّ هو يرقُب أخبارها، و يستحضر هبلها و يتحرّق من اجلها كلّما التقاها و قرأ في عينيها حزنا بل و كتب عنها نصّا ، انعدمت الارادة في نسيان ما كان بينهما من عشق و ولع إلى أن وقعا في شباك الشوق و لم يجدا سبيلا للهرب من خيانة الزوج و العودة إلى حضن الحب الذي لا يعرف العقل أصلا فهو الجنون يصيب من يشاء ، ليتأكّدا أنّهما كانا مخطئين لا هي اتّخذت القرار الصّح و لا هو كان محقّا في فلسفته . في الأخير تحبل مريم من رجلها الحقيقي مع حمل هم قلبها المثقل بالمرض ليتخلّى هذا الأخير عنها في عزّ حاجتها اليه في اللحظة التي طالما تمنّتها و انتظرتها و تحمّلت من أجلها قسوة الزّواج الفاشل و الحياة التّعيسة المغلّفة بالنّفاق ، لم يمنحها قلبها الوقت الكافي لتعيش لحظة الأمومة و لا لتصلح خطأها بالتّنصّل من زواجها و اتّخاذ سبيلها في الحياة ، كانت في عزّ شبابها حينما اختارها الموت البارد كما اختار اختها التي انتحرت و أمّها التي أكلها المرض ، رحلت مريم كوردة تفتّحت لتوّها في حديقة الأمّهات التي تمنّت الاقامة بها طويلا لتنثر عطر أمومتها و تُشبع به غريزتها ، قطفها الموت هي
و برعمتها الصغيرة "سارة" كأنّها اكتفت بوجودها في الأحشاء بتغذيتها من دمها بتحرّكاتها داخلها بنداءاتها البعيدة القريبة اكتفت بكلمة ماما سمعتها وحدها عبر الحبل السّري الذي ربطهما ببعض و في لحظة قطعه انفصلتا عن الحياة لتترك للحبيها ألما كبيرا و تورثه حرقة فراق صعب فراق عزيزين ، حبيبة لا تتكرّر كلّ يوم مهبولة به كما يشتهي ، و فراق قطعة من لحمه و دمه لم يتسنّى له سماع حتى صرخاتها الأولى لحظة استقبالها لنور الحياة ، لم يُكتب له رؤية لون عينيها و هي تنظر إلى الفراغ و يُخيّل له أنّها تنظر إلى عينيه و تبتسم له في حين هي تبتسم للملائكة ، حتى لم يتمكّن من حملها. تركت له كلّ هذا الألم
مع صوتها في رسالة أخيرة بها شكر لأنه وضع قصّتهما بين أيدي كلّ الناس حوّلها فيها إلى أبجدية رائعة و لغة ساحرة ، كما بها اعتذارات و توصيات
و توديع.
هكذا هو الحب الكبير حبّ المجانين لا ينتهي إلا بفجيعة و فراق أليم، و إلا ما سمعنا بقيس مجنون و لا بليلى تعيسة. كأنّ الحب لا يُنصف عشّاقه ، أو كأنّ القدر يتربّص بكلّ عاشقين يمنحهما حبا في القمّة و لا يتوانى في منحهما فراقا في قمّة الألم أيضا .
لغتك لا يُعلى عليها سي الواسيني في ملامستها لمشاعرنا كلّما قرأت لك نصّا إلاّ و شعرت به يُخاطبني ، كلام من القلب لا يُمكن أن يُخطئ القلوب، بل يُصيبها بسهم دقيق في الصميم ، لتعتبر من بعضه و تضمّد جراحها بالباقي منه.
نصّك هذا رومنسي جميل يقصّ الحكاية في عز شتاء المدينة القاسي في أوقات ثلجها و بردها القارس و أمطارها المغرية برومنسية أكثر ، صحيح أنه مؤلم من بدايته إلى نهايته و لكن كم حاجتنا إلى بعض الرومنسية في حياة أصبحت جافة تماما نتعلّق فيها بالنّصوص الجميلة علّها تُشعرنا ببعض أحاسيسنا التي جُبرنا على كتمها بسبب تغيّر الجنس البشري الذي أصبح لا يولي أي اهتمام للتفاصيل الجميلة التي تُحدثها الطّبيعة مثل تساقط المطر .
يا النّو صبّي .. صبّي..
صبّي عليّا و فيّا ..
ما نحتاج حمو خويا ..
و لا نحتاج للزربية ..
ما نتخبى تحت الشجرة .. و لا نحمل مطّرية ..


back to top