على الرغم من الانحسار المعروف للقصة القصيرة، في الأعوام الماضية، واتجاه معظم كتابها المعروفين، إلى الرواية التي أصبحت الشغل الشاغل للمبدعين، هذه الأيام، فإننا نطالع بين حين وآخر، كتابة رشيقة للقصة، يمكن أن تعلن صراحة، ان هذا الفن لا يزال موجودا، ويمكن أن تستعاد قراءته بسهولة، كما في الماضي.
من هذه الكتابة، مجموعة الكويتية باسمة العنزي: يغلق الباب على ضجر، والتي نسجت بفن عال، يجعل من قراءتها متعة حقيقية، ربما تعادل المتعة التي تصاحب قراءة الرواية الجيدة، وبالتالي تبعث الأمل في أن القصة القصيرة إذا ما روعي فيها الانضباط والتماسك مع عدم الإخلال بشروط الاقتصاد والتكثيف اللغوي، يمكنها أن تعبر بقوة عن ما نعيشه، وتسوق خيالاتنا إلى بقع بعيدة من الجمال.
زيارة الأسطورة
المجموعة صيغت على شكل أبواب، تفتح واحدا بعد الآخر، ووراء كل باب حكاية، إما غريبة حقا، وإما عادية، حولتها اللغة العذبة إلى استراحة غير عادية، ولعب فيها الخيال الحكائي دورا أكد من حميميتها، فحصة الخرساء الأسطورية، التي تكنس آلام الحارة ودموعها في الليل، تتحول إلى أسطورة في كل البيوت ما عدا بيت والدها الذي كانت تكنس آلامه ودموعه أيضا ولكن في وضح النهار، ويتمنى أسوة بغيره من أهل الجوار أن تزوره تلك الأسطورة أيضا.
ولا يدري أنها تنبع من بيته، قصة أعتبرها رواية ملخصة، يمكن أن تتفكك إلى حكايات وحكايات داخل تلك الحارة الفقيرة.
ضياع كبير
قصة اللامع الطموح الذي غير كل ثوابت الأسرة، ولم يستطع أن يغير اسم والده الغريب الذي يقف له عائقا أمام كل نجاح، إشارة ذكية إلى سطوة الأب في مجتمعاتنا العربية التي لن يستطيع أحد تغييرها، مهما فعل، قصة «بوعبث مر من هنا» التي تلخص ولادة الشر ونموه فيما بعد، ليصبح شجرة شائكة تظل الشرير، وتوزع الشوك بلا هوادة، وعدد من القصص الأخرى التي ترصد تغير المجتمع الخليجي من وراء أبواب، تفتح على مهل، لتكشف لنا ما وراءها، وحتى الباب الذي يغلق على ضجر، هو أيضا باب مفتوح، وراءه قصة ضياع كبيرة، حدثت حين كان البلد نفسه يوشك أن يضيع، في أيام عصيبة مضت. شخصيا أعتبر تلك المجموعة، متوالية قصصية شبيهة بالرواية. النسيج هنا من لحم الرواية وأربطتها وعظامها نفسها، فقط فكك لتروى الحكايات واحدة بعد أخرى، وعلى الذي يقف في بداية ذلك الحي، أن يأتي بحباله الخاصة، ليضفر تلك الحكايات إلى بعضها.
مهمة أخرى
اللافت أيضا، تلك الإشارات التي تطول العادات والتقاليد، وتغير المجتمعات، وسطوة الحياة المادية، وأيضا قهر المرأة المتأصل في المشرق، تحت حجة الستر، والذي يجعل من فتاة والدها مستنيرا، ويستقبل ضيوفا مستنيرين، ليستشيرهم في أمر مستقبلها الدراسي، تتمزق وهي تعلن داخلها رفض الزواج القسري، من دون أن تفكر أن زوارا يبتسم لهم والدها يمكن أن يكونوا في مهمة أخرى غير طلب الزواج.
أخيرا، أعود لأكرر ما قلته، إن الفنون إذا ما روعي فيها الإخلاص، يمكن أن تظل باقية، وصاحبة صدر متسع لاسقبال المحبين، وكذا فن القصة القصيرة الذي حول في السنوات الماضية إلى ومضات شعرية، يمكن أن يعود إذا مالبس ثوب الحكاية، ووظفت لغته الشعرية لخدمة النصوص، لا لإخضاعها لسطوة الشعر.
مجموعة "تغلق الباب على ضجر" هي المجموعة الثالثة لباسمة العنزي وقد صدرت عن دار الفارابي، بعد مجموعتها "الأشياء" عام 1998، و"حياة صغيرة خالية" من الأحداث عام 2007.
ولباسمة أيضا اطلالتها الصحفية المنتظمة التي تعبر من خلالها عن الكثير من قضايا الواقع الثقافي والاجتماعي.
من هذه الكتابة، مجموعة الكويتية باسمة العنزي: يغلق الباب على ضجر، والتي نسجت بفن عال، يجعل من قراءتها متعة حقيقية، ربما تعادل المتعة التي تصاحب قراءة الرواية الجيدة، وبالتالي تبعث الأمل في أن القصة القصيرة إذا ما روعي فيها الانضباط والتماسك مع عدم الإخلال بشروط الاقتصاد والتكثيف اللغوي، يمكنها أن تعبر بقوة عن ما نعيشه، وتسوق خيالاتنا إلى بقع بعيدة من الجمال.
زيارة الأسطورة
المجموعة صيغت على شكل أبواب، تفتح واحدا بعد الآخر، ووراء كل باب حكاية، إما غريبة حقا، وإما عادية، حولتها اللغة العذبة إلى استراحة غير عادية، ولعب فيها الخيال الحكائي دورا أكد من حميميتها، فحصة الخرساء الأسطورية، التي تكنس آلام الحارة ودموعها في الليل، تتحول إلى أسطورة في كل البيوت ما عدا بيت والدها الذي كانت تكنس آلامه ودموعه أيضا ولكن في وضح النهار، ويتمنى أسوة بغيره من أهل الجوار أن تزوره تلك الأسطورة أيضا.
ولا يدري أنها تنبع من بيته، قصة أعتبرها رواية ملخصة، يمكن أن تتفكك إلى حكايات وحكايات داخل تلك الحارة الفقيرة.
ضياع كبير
قصة اللامع الطموح الذي غير كل ثوابت الأسرة، ولم يستطع أن يغير اسم والده الغريب الذي يقف له عائقا أمام كل نجاح، إشارة ذكية إلى سطوة الأب في مجتمعاتنا العربية التي لن يستطيع أحد تغييرها، مهما فعل، قصة «بوعبث مر من هنا» التي تلخص ولادة الشر ونموه فيما بعد، ليصبح شجرة شائكة تظل الشرير، وتوزع الشوك بلا هوادة، وعدد من القصص الأخرى التي ترصد تغير المجتمع الخليجي من وراء أبواب، تفتح على مهل، لتكشف لنا ما وراءها، وحتى الباب الذي يغلق على ضجر، هو أيضا باب مفتوح، وراءه قصة ضياع كبيرة، حدثت حين كان البلد نفسه يوشك أن يضيع، في أيام عصيبة مضت. شخصيا أعتبر تلك المجموعة، متوالية قصصية شبيهة بالرواية. النسيج هنا من لحم الرواية وأربطتها وعظامها نفسها، فقط فكك لتروى الحكايات واحدة بعد أخرى، وعلى الذي يقف في بداية ذلك الحي، أن يأتي بحباله الخاصة، ليضفر تلك الحكايات إلى بعضها.
مهمة أخرى
اللافت أيضا، تلك الإشارات التي تطول العادات والتقاليد، وتغير المجتمعات، وسطوة الحياة المادية، وأيضا قهر المرأة المتأصل في المشرق، تحت حجة الستر، والذي يجعل من فتاة والدها مستنيرا، ويستقبل ضيوفا مستنيرين، ليستشيرهم في أمر مستقبلها الدراسي، تتمزق وهي تعلن داخلها رفض الزواج القسري، من دون أن تفكر أن زوارا يبتسم لهم والدها يمكن أن يكونوا في مهمة أخرى غير طلب الزواج.
أخيرا، أعود لأكرر ما قلته، إن الفنون إذا ما روعي فيها الإخلاص، يمكن أن تظل باقية، وصاحبة صدر متسع لاسقبال المحبين، وكذا فن القصة القصيرة الذي حول في السنوات الماضية إلى ومضات شعرية، يمكن أن يعود إذا مالبس ثوب الحكاية، ووظفت لغته الشعرية لخدمة النصوص، لا لإخضاعها لسطوة الشعر.
مجموعة "تغلق الباب على ضجر" هي المجموعة الثالثة لباسمة العنزي وقد صدرت عن دار الفارابي، بعد مجموعتها "الأشياء" عام 1998، و"حياة صغيرة خالية" من الأحداث عام 2007.
ولباسمة أيضا اطلالتها الصحفية المنتظمة التي تعبر من خلالها عن الكثير من قضايا الواقع الثقافي والاجتماعي.