الدهشة الأولى الدهشة الأولى discussion


23 views
قراءة نقدية - للشاعر عادل محمد

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by عمرو (new) - added it

عمرو صبحي السلام عليكم ورحمة الله

يبدو أني قد تأخرت حتى ذهب الناس إلى صلاة التراويح ولم يحضر الطعام بعد ولذلك سأضع الطعام سريعا حتى إذا رجعوا وجدوه في انتظارهم ولابد أن نبدأ بالبلح ..........
أكرر أولا أني استمتعت بالديوان وبحالة الحب التي تشمله وبجودة تنسيقه وغلافه ومداعبته للقارئ وما عرضه عمرو من تنويعات إيقاعية . وحقيقة أيضا فالتجربة تحاول إعادة المتلقي الذي فقدناه من خلال الاسترسال العاطفي والنزول إلى وعيه الأول بالعواطف وفكرته الاولى عنها وكونها ملحّة متناقضة أحيانا ولذلك تعمدت القصائد ألا تغوص في أعماق الحالة لتخرج من الحب أو الفراق أو الانتظار بجديده أو تربطه بقضية ما . أعني أن القصائد تشبه إلى حد بعيد في مجملها قصائد الغزل العذرية في العصر الأموي مع أن خلو تلك القصائد وقتها من البعد الاجتماعي يشفع له طبيعة العصر نفسه وأن الحب لا يمنعه مانع إلا توفر العاطفة لدى الطرفين ومن هنا كان القارئ لاشعارهم لا يبحث فيها الإ عن المتعة اللغوية وصدق التشبيه وما اختلف إلا دافع الهجر أو اللقاء فبينما كان رحيل القبيلة في الجاهلية جديرا بأن يفجر في الشاعر طاقته الابداعية ويقلب ليله نهارا أصبح اغلاق الحبيبة هاتفها الجوال هو الحافز البديل . عمرو صبحي قارئ جيد تتقاطع قراءاته مع الشعراء العذريين ( قيس ليلى ، قيس لبني ، جميل بثينة ، ثم .. عمر بن أبي ربيعة ) كما اشرت ومع عنترة بن شداد ونزار قباني وأحمد بخيت وفاروق جويدة . وهو في هذا التقاطع لا يحذر من وقوع الحافر على الحافر .. ولذلك نجد جملة من التشبيهات المعادة واللغة المقاربة :
فلا تقفي كتمثال ، أيا امرأة ، صباحك فل على ياسمين ، بتشرين وآذار
جربت أعواد البخور تعويذة هندية من ساحر مقبور
يومان في كبد البكاء ولوعة الدمع الذي قد واجه الاحزان يوما فانتحر
يامن تخضب خدها خجلا بلون العندم
صباح الفل والريحان عطر المسك والعنبر .. نسيم هوائي المشتاق قبل كفك الاخضر
ورأيت فيك هنا انتحار مشاعري ودمي يلوث وجنتيك
وسلاسة قافية النون
كأني إن أراها حق نذري وحقت فيك أيام الصيام

في الأمثلة السابقة نستحضر رغما عنا الأسماء السابقة الذكر وأضيف إليهم عباس بن مرداس حيث تحتك الأبيات احتكاكا واضحا بأبيات بعينها لهؤلاء الشعراء . فإذا تجاوزنا الاحتكاك الواضح انتقلنا إلى الاحتكاك الخفي وهو الاجواء العامة والمفردات البعيدة فمن أين للشاعر كلمات كــ " الديجور ، العندم " وأي " بيداء " تلك التي يقطعها إلى حبيبته . بل هل استدعت قصيدة " لحن التمرد " بأجواءها المحلية الدافئة مفردات كــ " تشرين وآذار " . وإذا تجاوزنا التقاطع الواضح وغير الواضح انتهينا إلى التقاطع الموضوعي وأنا هنا أعني الفكرة المطروحة والرؤية فيها فهل جاوز عمرو في قصائده فكرة الحبيبة الملهمة التي تحرك يراعه بالفن وتحرك جوارحه باللهفة والشوق والتي تأخذ ملامحها قيما سحرية فتشرق الشمس لبسمتها أو تمطر السماء اذا خطرت تحت غمامها . وهل عانى منها أو طلب إلا ما عاناه أو طلبه مَن قبله .. هل غادر الشعراء من متردم ؟؟

هل ما سبق من كلام يعني انتقادا سلبيا للديوان .. الإجابة لا بالطبع .. فمن لا قديم له لا جديد له ، ولا ننسى هنا أننا أمام التجربة الأولى لشاعر رومانسي المذهب في المقام الأول ثم هو يكتب أيضا عن الدهشة الأولى
إذن لماذا كل ما سبق ؟؟
أقول إن الأديب يمر بثلاث مراحل في كتابته لعلكم تعرفونها .. وهي التأثر والتقليد ثم المفارقة ثم الابتكار والإدهاش .. وما دور النقد في تجربة أولى إلا أن يكشف إلى أي مدى يستطيع الكاتب الوصول إلى المرحلة الثالثة .. وفيما يلي تدليل على قدرة عمرو صبحي على المفارقة في القريب العاجل :

وما كنت أدري بأني هويت إلى أن مددت إلي اليدا
وبحر الجمال نساه الخليل
فداء لك الانجم الساكنات فداء لك الانجم الحوّم
فماذا تقولين في من خطاه سكارى تؤخر لا تقدم
وقبلك كنت مجهول القوافي وبعدك لاح نجمي في السحاب
كم رشفت من الهوى كم سقيتني مزيده
آكل الصمت المرير خلف قضبان القصيدة
وليل ضم أذرعه على شمسي فقتل ضؤها الساري
ووقفت اراجع في نفسي هل يهى الورد لأزهار
الحب أن تبقى بغير هوية .. الحب أن تبكي بغير خطيئة .. الحب ألف قضية وقضية .. أن تختفي كل اللغات مكانها لغة الحبيب محبة وزهور
الليل مد أصابعا ليواسني ويرد عن شفتي لهيب جواب
لا النوم يحلو / لا الحياة تروقني / الحزن زادي / والدموع شرابي

بهذه الأبيات -على قِلّتها - يشير الديوان من طرف خفي إلى خروج متوقع ولو لغويا على الاقل من مرحلة التأثر إلى مرحلة أخرى كما يشير إلى مذهب تشبيه يعتمد التجسيد والتحريك أداةً له مما يكوّن حركة النص وحواريته .. إذن هل يحتاج عمرو إلى لغة جديدة لموضوعه القديم أم إلى موضوع جديد يفترض بالضرورة اللغة المختلفة ؟؟؟؟
السؤال الثاني : ما سر جماهيرية الديوان ونجاحه ونجاح صاحبه الشاعر الموهوب .. هل هو موضوع الحب أم طريقة التعبير عنه .. يعني هل أعجبنا الديوان لما فيه من أبيات يمكننا أن نغازل بها حبيباتنا أم لأن عمرو لو كتب عن مقتل التنين سننبهر به ؟؟
اسمحوا لي أن أؤكد على مرونة عمرو ووعيه المبكر وتواضعه الجمّ وأن امتدح عنده تلك الدعايا الرقيقة لصديقه وصديقي أيضا الشاعر الماتع خالد سليم وامتدح أيضا قصيدتين اكتملتا في رأيي من حيث التناول والسيطرة على الفكرة وتوظيف التشبيه وهما حينما مرت ، وبيني وبينك . وأدعوكم جميعا إلى قراءتهما بعناية

آخر القول هو أن ابتدأ أنا بالإجابة عن الأسئلة السابقة حتى تبدأ الدوامات في الماء الساكن وتتحلل صورة الديوان الناظرة إليها فنرى تفاصيلها
أقول - وسأدمج الإجابتين معا – أن عمرو في رأيي مدرك تماما لماهية الشعر ويمتلك من ماء الشعر ما يروي به أرض قصائده فتنبت النبت الحسن ولكن الزراعة مواسم وبعض الثمار لا تصلح في إثر بعضها كما أن الطعام لا يخلو مع الفاكهة من لحم وخبز وفواتح للشهية . فإن كان الحب فاكهة القول فمن الفاكهة ما يعصر ومنها ما يقطع ومنها ما يقشر ومنها ما يؤكل كما هو . وما لا يدركه كثير من الشعراء أن الدهشة لا تأتي من وجود التفاح في الصيف وإنما من وجوده في الشتاء على الرغم من أن وجوده في الصيف لا يمنع الناس من التهافت عليه وهذا هو جواب السؤال الثاني .. أن الموضوع سيظل بطبيعته محببا خاصة إذا قدم في طبق انيق وعلى طاولة منمقة وبسيطة في آن واحد .
ولولا النقاط التالية لكن ما يمتلك عمرو من الأطقم الصينية والزجاج اللامع هو الأنسب لتلك الفاكهة اللذية :

1- التكرار والترادف :
" السحائب والغمام ، ناء بعيد ، يحجبك وعن عيني يواريك ،ويا ألما أقاسيه ويا آها أقاسيك ، سقطت وكنت مع الساقطين ، ترابا وطين ، دوما ودوما ودوما ، لحده بين التراب ، عصر أحزان وأزمانا "
2- التزمين :
" عشرون عاما ، سبعة أيام ، يومان "
3- تضارب بيئة الشاعر :
" العندل ، الديجور ، البيداء ، تشرين ، آذار "
4- الجمل الشارحة أو التفصيلية أو الذهنية :
" جراء تأثير الهوى ، قد قيل إن النار إن تعلو فذاك لأنها كانت بيوم عابس بعض الشرر [مستعظم النار من مستصغر الشرر :] ، كأني أعشق الأيام ذاك لأنها تمثل بعض دنياها ،فذا ليس جبن وذا ليس ضعف ، كالطفل أمسى نائما بالغرفة ، أنا أهواك سيدتي وهذا لست أنكره ، أيا وطني ويا بيتي ويا سكني "
5- غرابة التركيب :
" أين تلك رويتي ؟؟ ، خلف المعصم [ المعصم له ظاهر وباطن :] ، وهل يوما قلوب قد نست حبا ، اظل أتيه في جنبات صدري ، مثل اغتيال الطفل في أحضان احزان مديدة ، إلى حنايا خافقيك [ الانسان له خافق واحد :] ، تغدو الربى خضرا تنير بضفتيك ، تردد هملت بين الكاف والنون ، فخير من الهجر أن تهجريه "
5- التسرع وعدم المراجعة الكافية :
صديقي عمرو في الديوان عدد ملحوظ من الأخطاء التي أتمنى أن تكون مطبعية لا أكثر وسأخبرك بها بشكل خاص إذا أردت ذلك لتفاديه في الطبعة الثانية إن شاء الله
6- تفريغ العنوان من محتواه :
بعض العناوين يا صديقي لا تلعب من أدوارها الثلاثة إلا الدور الدعائي ويكون حظها من القصيدة كحظ الباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ومنها " جنائزية أحزان الجريدة ، زيارة لطبيب نفسي "

النقاط السابقة تخرج بالقصيدة من الحبكة إلى الذبذبة وليست واحدة منها مستقبحة على إطلاقها ولكن التوظيف هو المعيار الاول لكل شيء فمثلا التكرار أحيانا يكون مفيدا وله بلاغته ولكني أعني ما لا تبرره حالة القصيدة أو معجمها خاصة إذا اختفى وسط ذلك بعض الدرر الجميلة الموحية .

وأخيرا أقول لعمرو أن صيغة التساؤل أحد دعائم الدهشة أو نتائجها ولذلك جاءت في ديوانك – على كثرتها - موفقة وإن كنت أرى أن تحاول تطويرها في قصائدك القادمة بحيث نكتشف صورا أخرى للسؤال أو يتسرب التساؤل إلى نفس القارئ وحده .

يبدو أننا أطلنا في تناول الإفطار .. لا بأس ولكن من سيقدم لنا الحلوى ومن سيجهز للسحور عما قليل .. في انتظار موائدكم العامرة

عادل محمد


back to top