حجر الكحل حجر الكحل discussion


19 views
رواية حجر الكحل

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by أبو (new)

أبو انتهيت من قراءة الرواية الماتعة " حجر الكحل " للأديب الأستاذ " محمود توفيق حسين" = فإذا بها تحفة فنية، لمْلَم فيها " توفيق " بصماته المتناثرة في قصصه القصيرة؛ فجاءت على هذا النحو من الإبداع والجمال.

نجح المؤلف في حبك روايته، وتزويقها، وبهرجتها؛ بحيث تجبر مَن يطالعها على الوقوع في أسرها والتفاعل معها. وبحسب تجربتي الشخصية= فقد تمكن " توفيق" باقتدار من أن يرقرق الدمع في عيوني في مشاهد عدة ، منها: طرد "صابرة " وابنها من النجع ، ووصيتها لولدها بالأخذ بالثأر. لكن الرقرقة تحولت إلى بكاء في مشهد غارة " عاصم " على النجع وتمكُّنِه من أهله ومواجهته إخوته بفعلتهم المشينة معه ومع أمه " صابرة"، وتذكرتُ نفسي وأنا أقرأ " العبرات" للمنفلوطي!! أيضا، تملكني القلق والخوف على مصير " صابرة" و " عاصم" و" الشيخ عثمان" في رحلتهم إلى القاهرة بعد طردهم من النجع. الأدهى من ذلك أن ينجح " توفيق " في تصوير مأساة "عاصم " للدرجة التي لا تجلب فقط تعاطفي معه، بل تجعلني أتوجس من أن يستجيب" عاصم " لوعظ " حسان" و " الشيخ الأزهري" في الطريق، ويتحلى بالعفو والصفح، ويرجع دون أن يأخذ بثأره!

أعمَلَ " توفيق" موهبته في تصوير الأماكن تصويرا دقيقا، كعادته ، وأتقن رسم اللوحات الفنية في روايته، وكأنه يمسك بفرشاة يرسم بها.
ولم يُغفل الكاتب أهمية " المفاجأة" وكتمِ بعض الأمور عن القراء، فلا يعرفون بها إلا حيث يريد صاحب الرواية؛ كي لا يتوقعوا الأحداث أو النهاية، وقصة " حسان" صاحب " عاصم " الذي اتضح أنه عمٌ لعاصم وابنٌ لـ " سعد " الذي يطلب عاصم الثأر منه= جاءت مُوَفَّقَة جدا، ومشوِقة جدا ، ومن جانبي لم أتوقعها.
كما نجح المؤلف أيضا في سرد الحوارات العامّية بين شخصيات القصة بلغةٍ عربية جميلة، لم تستلم للمصطلحات والألفاظ العامية؛ فتنقلها بعاميتها كما هي، ولم تُخرجها أيضا عن رونقها العامي الذي قيلت فيه إلى لغة فصحى لا يمكن أن يتكلم بها العامّيون، بل هي لغة عامّية من حيث الاستخدام، لكنها عربية من حيث اللغة وقانونها. ولأن الشيء بالشيء يُذكر = فلغة "محمود توفيق" لغة أدبيّة رائقة، حتى في كتاباته المقالية والنقدية.

وفي " حجر الكحل" أيضا: اهتمامٌ واضحٌ بالصراعات الداخلية لشخصيات الرواية، وتصويرٌ دقيقٌ للمعارك المُعتملة داخل النفوس، والتي قام المؤلف بالتنقيب عليها حتى وصل إليها واستخرجها لنا.

كنت أتمنى أن تزيد جرعة " الحِكَم" و " العِبر" و " خلاصة تجارب الحياة " على لسان شخصيات الرواية، وقد أفادنا الكاتب بطرف من ذلك على لسان أبطاله.

والخلاصة : أن هذه الرواية- كما ذكرت في فاتحة الكلام-: عملٌ فنيٌ مبدعٌ من قلم موهوب، يستحق صاحبه كل الاحترام والتقدير، والتشجيع على ألا يبخل على القراء بأن " يُخاوي " ابنته البكر، بأخت لها على نفس القدر من الحسن والجمال.

لكن تبقى مشكلة " توفيق " أنه لا يُضَمِّن انتاجه الأدبي ما يَكفُل له الرواج الإعلامي والشهرة العريضة بمقاييس زماننا؛ لأنه لا يريد أن يدفع قربان الشهرة الذي يقدمه جمهور "اللامعين" عندنا في دنيا الأدب والثقافة= ألا وهو التنكر للدين والتراث، وثلمهما بين الفينة والأخرى بين ثنايا القصص والروايات، مع الدوران في فلك الثقافة الغربية والتبشير بقيمها ومبادئها. وهو الشرط العرفي، غير المكتوب، الذي تشترطه المؤسسات الثقافية والإعلامية التي تعطي الجوائز، أو تدفع بالموهوبين إلى عالم الشهرة والنجومية!
علي حسن فراج ( أبو الطيب الروبي)


back to top