أنا قادم أيها الضوء

by محمد أبو الغيط

كنت قد غبت عن حديقتي لأيام بسبب تدهور صحي، وحين عدت وجدت بعض نباتاتي قد كبرت وسقطت فروعها أرضًا. اشتريت دعامات متنوعة، وبدأت وصلها بالنباتات بأربطة خضراء. بينما أقيم شجيرات الخيار والطماطم، انبثق فجأة شعور أبويّ غريب. تذكرت حين كنت أعلم ابني يحيى الوقوف والمشي. ها أنا الآن أعلم أبنائي الوقوف. شعرت بحنان بالغ بينما أرفع السيقان والأغصان بحرص، أفصل بينها وأرتبها بدقة، وأثبتها في الدعامات بحرص، بحيث لا تتداخل وتحصل على أفضل مساندة ممكنة. تأثرت للغاية بشعور أن أبنائي يكبرون ويعتمدون على أنفسهم بفضل مساعدتي. سيقانهم المهتزة تذكرني بسيقان يحيى التي كانت مهتزة أيضا، ثم تدريجيًّا زال الاهتزاز وصار يقف دون مساعدتي. تذكرت أن مشاعري نحو ابني نفسها انبثقت متأخرًا أيضًا. بالطبع أحببته منذ اليوم الأول، لكن لم أشعر بشرارة الشغف الأبويّ هذه إلا بعد نحو عام، حين أصبح كائنًا متفاعلًا معي. قبلها حين كان ينام كنت أطلب من إسراء ألا تكلمني عنه، لننتهز الفرصة لوقت خالٍ منه؛ كي لا يلتهم حياتنا، لكن بعدها أصبت أنا أيضا بذات شغفها، فهمت أن متعة الحديث عن ابني في غيابه تضاهي متعة ملاعبته في حضوره. ومع الفارق أصبحت مصابًا بشغف نباتاتي أيضا. أرسل صورها لأصدقائي وأسرتي، وأحكي لهم عنها. أتبادل الخبرات مع المزارعين الآخرين.