More on this book
Kindle Notes & Highlights
by
أيمن العتوم
Read between
October 18 - October 18, 2025
وجدتُني دون تخطيطٍ أحفر كلمة: "أحبّك"! هل كان الحبّ وسيلتي للنّجاة؟!
يُولَد الإنسان بريئًا ثُمّ تُحوّله السّلطة إلى مُجرم، ويولَد مُتسامِحًا ثُمّ يحوّله السّوط الّذي يملكه في يده إلى طاغية. تحوّلات الإنسان تدعو إلى الدّهشة؛
وإذا أراد الله بالإنسان أمرًا فلن يدفعه عنه حِجاب ولا تميمة، ولكنْ يدفعه حُسن الظّنّ بالله والدّعاء.
ولقد فُطِر النّاس منذ النّشأة على حبّ الجَواد، وتقدير ذي الإحسان.
وكان أبي إلى جانبي، يقول لي: "عندما تكبر، سيكون عليك أنْ تحمل السّيف في قِرابه، وأنْ تضع العمامة على رأسِك". ثُمّ رأيتُه يصمت قليلاً ويتنهدّ قبل أنْ يُتابع: "هل تعرف ما معنى أنْ تحمل السّيف وأنْ تضع العِمامة". ويسكتُ ثانية، ليجيب بنفسِه عن سؤاله: "معناه أنْ تكون مجاهِدًا وعالِمًا. إنّ السّيف دون علمٍ بطشٌ، وإنّ العلم دون سيفٍ هباء".
وكان البياضُ طاغِيًا في ذلك اليوم، وكان إرثًا من الحجّ، يأتون بثيابٍ بيضاء كقلوبهم، ويتجرّدون من كلّ ضغينةٍ، ويُسامح بعضُهم بعضًا، فالأيّام حُبلى بالخلافات، والخلافات كثيرةٌ، ولن تنتهي، وستظهر بين فترةٍ وأخرى، ولا بُدّ من هذا اللّقاء للتّصافي، ولا بُدّ من التّصافح والغُفران، ونسيان الماضي؛ والنّسيان شِفاء، والتّغافل دواء، وترك الصّغائر راحة، والإقبال على الصّفح كَرَم، وحُبّ الآخرين والعفو عنهم مُتعة.
لا شيء يُفسّر ما نحن فيه. لا قدرةَ لبشريّ على فَهم ما جرى ويجري، لماذا على البشر أنْ يُفسّروا كلّ شيءٍ ما دام الله وحده القادر على ذلك؟!
ظِلال الأموات قاسية يا أبي، كلماتهم الّتي أسمعها في أذني قاسيةٌ كذلك يا أبي. لماذا لا يموتُ الموتى إذا ماتوا؟!
إنّه الهروب على الأرجح. لديّ حياةٌ أخرى في مكانٍ ما. قدري أنْ أجرّب الحَيَوات كلّها. وماذا يضير المؤمن لو تقلّبتْ به أقدار الله؟! ألا نفرّ من قَدَرٍ إلى قَدَر؟ أليس جهلُنا بالقدر يجعل قبولنا وتقبُّلَنا له أوسع، اختيار الأقدار يُلغيها، لو كُنّا نملك ذلك لما اخترْنا قدَرًا واحِدًا من أقدرانا، إنّ الإنسان لتُلجِئة قلّة رِضاه إلى رفض الأقدار كُلّها، إذًا فلْتضربِ الأقدار وجوهنا ونحنُ لاهون أو مُستعدّون، ولنقبلْ ذلك راضين أم ساخِطين!
في الفجر خرجتُ إلى قبرِها، أو ما اصطلحنا أنا وأبي أنْ نُسمّيه قبرَها، وقفتُ وقوفَ الخاشعين المُتبتّلين وتلوتُ الفاتحة، وسمعتُها تقول بعد آخر آيةٍ فيها: "آمين". لقد كانتْ هنا، هنا في قلبي، سألتُها إنْ كانتْ تسمح لي بأنْ أغيبَ عنها؟ قالتْ ما قالتْه لي من قبلُ أو هكذا سمعتُها: " لديك مُستقبل، وإذا أردْنا أنْ يكون جميلاً، فلْنسِرْ إليه واثقين. إنّ التّردّد موت..." انحنيتُ، طابقتُ بين كَفَّي منبسطَين، وقرّبتُهما من وجهي: "سأرحل... ستكون لي حياةٌ أخرى". "لن تكون لك سِوى حياتِك هذه الّتي لا تعرفها. أمّا الأخرى ففي الأخرى". "إنّني أعرفُ ما أريد". "معرفتُكَ جهل، أنتَ لا تدري ما يصنع الله".
...more
ومَنْ نزع نفسَه من أهل الدُّنيا معتزلاً لهوَهم دون أنْ يأمرهم بالعُرف فقد نقصَ من علمه، ونقصَ من منهجه.
للتّراب ذاكرة. يحفظُ أعمال المَشّائين والدُّعاة والمجاهدين والّذين ساروا إلى الله، وحتّى أؤلئك الّذين ساروا إلى الدّنيا.
وكان اسم المريدين مأخوذًا من أولئك الّذين يريدون الوصول إلى الله.
وكُنّا نعرفُ كلّنا بما فينا الشّيخ والعلماء الّذين يُدرّسوننا أنّ الوصول إلى الله غاية الغايات، لكنّها شرفٌ لا يُعطيه الله لكلّ أحدٍ، ومع أنّها كانتْ تحتاج إلى زهدٍ بالغٍ، وتجرّدٍ من العلائق الدّنيويّة الثقيلة كافّةً إلاّ أنّ الشّيخ كان يقول: "وإنّها ليسيرة على مَنْ يسّرها الله عليه".
نحنُ مَشّاؤون يا أخي. مَنْ سار إلى الله لن يزيغ. ماذا تأخذُ الدّنيا منكَ في سيرِك الحثيث إليه؟ بعضَ جسدك؟ تعبَك؟ سهرك اللّيالي؟ غُربتَك؟ نأيَك عن الأهل والأوطان والأحباب؟ وَمَنْ قال إنّ السّير إلى الله لن يفعل ذلك بِنا؟ نَحنُ مَشّاؤون يا أخي. نحنُ سائرون لا يَثنينا عن المسير إلاّ أنّ نصل، وأنْ نريح في أفيائه أرواحَنا، ومتّى ستصلون إليه؟ لا يعنينا متى يا أخي، كلّ ما يعننيا ألاّ نتوقّف.
"طُوبى لمن هُدِي إلى الإسلام، وكان عيشُه كَفافًا، وقَنِعَ به".
وكان العِلم أكثره في الصّدور لا في السّطور،
"مَنْ خافَ الله خافَه كلُّ شيء.
وإنّ السير لقصير على المُحبّ وإنْ طال".
وكُلُّ مُعجَبٍ بنفسه قد هلَكَا
والحياة ستسير إنْ رضيت عنها أو غضبتَ منها، وأنا أنصحكَ بالرّضا".