More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
وأدركت على صغري أن الإيمان والعقل قد لا يجتمعان أحيانًا!
كل ما في الكون قد توقف ليشهد تلك اللحظة التي تتجلى فيها الحقيقة الأبدية التي لا مراء فيها، حقيقة أن أصعب ما في حياة البشر هي حرية الاختيار،
ـ أتدري يا بني؛ إن الحياة في الصحراء هي الفطرة، فالأصل في الحياة هو الحركة والتنقل من مكان إلى مكان، وحينما يُكثِر المرءُ من الترحال لا يتعلق قلبه بشيء ويدرك أن الحياة في ذاتها رحلة تنتهي، لتبدأ رحلة أخرى في مكان آخر، أما السكون فهو أصل الموت، ولا ينبغي للمرء أن يسكن إلا للراحة بين رحلتين!
(إن الله يتجلى علينا
كيفما نراه)،
ـ اعلم يا (شمعون) أن قضاء الله ليس بسهمٍ طائِش وإنما سهمٌ نافِذ تحكمُه يدُ القدَرِ، فيُصيبُ به مَن يشاء وقتما يشاء لعلمٍ نجهلُه وحِكمةٍ لا نستقيها.
ـ القدَرُ يا بني هو التدبيرُ بميزان الحكمة، واللّطفُ بميزانِ الرحمة، والتقويمُ بميزان العدل، وكل ما يقدِّره الله لنا يكون إما لحكمةٍ يدبِّرها، أو لطفٍ من رحمته، أو تقويمٍ لما أعوجَّ من أمرنا، ولذا وجب علينا الثناء على قدره في كل حال.
ـ نعم، فالكل مسخرٌ لأمره، إلا أنت! إن شئت آمنت به وإن شئت أنكرته! لن يمنع نعيمه عنك إن جحدته! ولا يضمن لك نعيم الدنيا إن آمنت به! فالجزاء كله مؤجل للآخرة وهذا أصعب ما في الأمر، فلو كان السفر قريبًا لعلمنا مقصده،
ـ ضعيف! انظر حولك يا (شمعون)، قد سخَّر ذلك الإنسان «الضعيف» الجبال فنحتها بيوتًا، وسخَّر البحار وركب الفلك، وسخّر الإبل والدواب والأنعام، ونال منها مأكله ومشربه ومبلسه، الإنسان ليس بضعيف يا (شمعون)! فقد منحه الله بعضًا من صفاته، ونفخةً من روحه وهبت له أسرار العلم والقدرة على الاختيار.
ـ الإنسان ظالمٌ، جاهلٌ حين يظن النشأة بلا مُنشِئ، وأن
السفرَ بلا مقصد، وأن الرحلة بلا نهاية!!
أدركت أن الصبي قد اكتسب رقة القلب، من أمه، والتي اكتسبتها بدورها من الأرض التي نبتت فيها، فقد علمتني الحياة أن الإنسان مثل النبات، يُزهِر بقدرِ ما تمنحه أرضه! فمن ذاق شُحَّ الصحراء، لا يُزِهر إلا شوكًا، ومن ذاق نعيمَ المدن، يُزِهر ورودًا وياسَمين.
الطائر الغريب قد يطير مع السرب ولكنه حين يحط على الأرض يظل وحيدًا منزويًا.
ـ ذلك قلب المؤمن، لا تسعه أرض ويسع الدنيا بحالِها.
ـ اجعل قوتك في تقويم المعوج لا في كسره! لو أراد الله لنا حياة بلا شرور لما أتينا إلى هذه الدنيا.
أتدرون ما هي أكثر النِّعَم التي أحمد الله عليها؟!
أن الله قد جمعنا سويًّا، فما كانت الحياة لتحلو بدونكم!
منحتني الحياة فرصة كي أقترب وأعرف، فعلمت أن الأرض تتقدس حين تسود فيها عدالة السماء، فإذا عمَّ فيها الظلم والجور فهي أرض ملعونة ولن يشفع لها بيت ولا حجر، وعلمت أن الإنسان هو أسمى ما على الأرض وأن الرب يَسُرُّه أن تُعمَّر القلوب بالإيمان على أن تُعمَّر بيوته بقلوب خاوية. أدركت أن الوطن هو أرض تشعر فيها بالطمأنينة، وأن الأهل هم صحبة تشعر بينهم بالـأمان!