‫أوراق شمعون المصري‬

by أسامة عبد الرؤف الشاذلي

ومرت الأيام وتعلمت منها أن الأحزان لا تدوم، وأن الجروح مهما غارت لا بد لها من التئام، وأن الهموم التي تولد كالجبال لا تلبث أن تجرفها موجات النسيان، كبحر ينحر في شاطئ من الرمال، فلا يتبقى منه سوى ذرات تعلق في الماء!

ـ أبهذه السرعة؟! كيف يكون الإنسان ملء السمع والبصر في الصباح، ثم يغدو محمولًا على الأعناق عند الظهيرة؟!

كيف يحيا الإنسان هكذا وقد انقطع به الأمل؟ وما الفرق حينئذ بينه وبين الدواب؟

أتدري ما التيه يا شيخ (نابت)؟! إنه الحياة على أمل كاذب، أن تشعر بأنك كلما اقتربت ابتعدت، وكلما دنوت بَنوت، أن يحدوك الأمل ثم تتجرع خيبته مرات ومرات، ذاك هو التيه وتلك هي مرارته يا شيخ (نابت).

في دولة العدل يصير الكل عادلًا، وفي دولة الظلم يصير الكل ظالمًا، فالناس على دين ملوكهم يا غلام!

تولد الأمم ضعيفة، فتتولاها رعاية الله حتى تشب، ثم تنطلق فتية قوية بالسير على خطى الآباء الأولين، ثم تهرم وتضعف وتموت! ثم يستبدلها الله بقوم آخرين!

الإنسان مثل النبات، يُزهِر بقدرِ ما تمنحه أرضه! فمن ذاق شُحَّ الصحراء، لا يُزِهر إلا شوكًا، ومن ذاق نعيمَ المدن، يُزِهر ورودًا وياسَمين.

إن في الحياة أقمارًا وشموسًا، وأُذِن للأقمار أن تخبو في حضرة الشموس!

واعلم أن لقمة تضعها في فم جائع خير لك من سيف تضعه في يد فارس.

فالأقدار لم تضعها في طريقي عبثًا ولم تختبرنا بالفراق مرات ومرات عبثًا، وإنما ليستيقن المحب من حبه، والعاشق من عشقه.

النساء هنا لا يخفين سعادتهن بأبنائهن الذكور ويرضعنهم ذلك الشعور في المهد، ثم يشكين ظلم الرجال بعد ذلك!

ولعل عدلًا تصيبه يكن خيرًا من نفْع ترجوه.

راقية أنت يا سيدة الدنيا، ويا ربيبة القصور، حتى وأنت تنتقين الحصى بعين أجهدها البكاء!