بيت خالتي

by أحمد خيري العمري

(مشاهد من الصحافة العالمية تقدم صورة إيجابية لهتلر خاصة في الثلاثينيات، مجلة التايم ومستشار هتلر غوبلز على غلافها، صحيفة الكريستيان ساينس مونيتور، صحيفة النيويورك هيرالد تربيون، النيويورك تايمز، الديلي ميرور البريطانية وهتلر على صفحتها الأولى وعبارة «فلنكن أصدقاء»). هل كان العالم لا يعرف ما الذي يحدث في ألمانيا النازية؟ لا. كان يعرف. حتى في مقالات الثناء على هتلر الذي كان «يعطي ضوءًا من الأمل لشعب غارق في اليأس» كما قال تقرير الكريستيان ساينس مونيتور، كانت هناك إشارات إلى وجود انتهاكات تمارَس ضد اليهود، وحديث عن طردهم من الوظائف الحكومية، عن تعقيمهم لغرض عدم الإنجاب، لكن هذا كان مجرد شيء ثانوي، سلبية تذكر ضمن مجموعة من الإيجابيات... النيويورك تايمز وصفت وصول هتلر إلى السلطة بأنَّه كان انتصارًا للاعتدال. النيويورك هيرالد تربيون –التي كانت تعتبر من أهم الصحف الأمريكية في تغطيتها للشأن الدولي، والثانية على صعيد الانتشار اليومي بعد النيويورك تايمز- قالت إنَّ الاعتداءات على اليهود كانت محزنة، لكن أغلب القصص الواردة مجرد مبالغات أو لا أساس لها من الصحة. التايمز قالت: «العنف في ألمانيا انتهى، وسيأتي عصر الرخاء والسعادة».

في استطلاع أجرته المؤسسة نفسها عام ١٩٤٣، عندما كانت أخبار الهولوكوست قد بدأت تتضح أكثر فأكثر، أقل من نصف الأمريكيين كان يصدق هذه الأخبار، أكثر من ربعهم كان يعتبرها مجرد «إشاعات». في أواخر عام ١٩٤٤، وكان أكثر من خمسة ملايين من اليهود قد قضوا في المحرقة، فإنَّ غالبية الأمريكيين لم يكونوا يصدقون بأنَّ عدد الضحايا يمكن أنْ يكون أكثر من مائة ألف، أو حتى أقل من هذا الرقم.

هذه الدراسات وجدت أنَّ «الطاعة العمياء» للسلطة هي المفتاح الأول في تكوين شخصية «المُعذِّب» وليس وجود ميول عُنفٍ سابقة، هو يطيع كل ما يوجه له من أوامر بغض النظر عن منطقيتها أو انسجامها مع ما يؤمن به، وهذا يجعل «رؤساءه» ينتقونه لمهام التعذيب، ويتم ذلك بالتدريج، يحرس الأبواب الخارجية للمُعتقل أولًا، ثُم أبواب الزنازين، ثُم أبواب «غرفة التعذيب»، في كل مرة يشعر أنَّه أصبح أكثر أهمية كلما اقترب أكثر من التعذيب، ثُم يدخل إلى داخل غرفة التعذيب دون أنْ يشارك، يشاهد فقط، ثُم فجأة يؤمَر بالانتقال إلى قمة الهرم، دور التعذيب الفعَّال. ويكون قد تأهل تمامًا –عبر هذه الخطوات المتدرجة- ليأخذ الدور وهو يشعر بأهميته وأنَّه أخيرًا نال الأمر. دراسة أخرى عن «الأطباء النازيين» قام بها البروفيسور «روبرت جاي ليفتون» أشارت إلى أنَّ هؤلاء يضطرون لاتخاذ وسيلة دفاعية تمكنهم من الاستمرار بالدورين، دور المُعذِّب في المُعتقل، ودور الإنسان العادي الذي قد يكون زوجًا وأبًا وأخًا. هذه الوسيلة هي «المضاعفة» التي يقوم بها الشخص بخلق شخصية أخرى له، يعيش بها دور المعذِّب، لها عاداتها وطريقة كلامها وغالبًا يكون لها اسم مختلف، بينما تبقى شخصيته الأصلية يعيش بها حياته الشخصية خارج المُعتقل. بدا لي الأمر معقدًا جدًّا. وضعت علامة على اسم البروفيسور ليفتون صاحب هذا التفسير لأرجع له لاحقًا.

هنا يختلف بيت خالة السوريين عن الهولوكوست. المشترك هو «التجريد من الإنسانية».. لكن الهولوكوست ينتقل إلى الإبادة. بيت الخالة يذهب إلى الهدفين الآخرين.. ترويع الباقين، وتحطيم الناجين.

لدينا مثل يقول، قطعة الأثاث التي يفضلها الشيطان هي الكنبة المريحة.