‫كيف يمكن لبروست أن يغير حياتك‬ (Arabic Edition)

by Alain de Botton

س: لمَ يكون للعادة مثل هذا التأثير المُوهِن؟ ج: تكمن إجابة پروست الأكثر إيحاءً في ملاحظة عن نوح وسفينته كما ورد ذكره في الكتاب المقدّس: عندما كنتُ طفلًا، لم أجد مصيرًا أسوأ لأيّ شخصيّة من شخصيّات الكتاب المقدّس أكثر من نوح، بسبب الطوفان الذي أبقاه حبيس سفينته أربعين يومًا. لاحقًا، غالبًا ما كنت أمرض، وأُضطر للبقاء في “سفينة” لأيام لا نهاية لها. حينها فحسب فهمتُ أنّ نوح لم يكن قادرًا على رؤية العالم أفضل مما كان يراه من سفينته، مع أنّ سفينته محطَّمة، والظّلمة تخيّم على الأرض. كيف أمكنَ لنوح أن يرى أيّ شيء على الأرض وهو قابعٌ في سفينة مُحطَّمةٍ وسط حديقة حيوان برمائيّة؟ مع أنّنا نفترض عادةً أنّ رؤية أمرٍ ما تستلزم منّا تواصلًا بصريًا معه، وأنّ رؤية جبلٍ تستلزم التوجّه إلى الألپ وفتح أعيننا، فإنّ هذا قد يكون الجزء الأول، والأدنى بمعنى ما، من الإبصار، فتقدير قيمة شيءٍ على نحو ملائم قد تستلزم منّا أيضًا إعادة تكوينه في عيننا الذهنيّة. بعد إلقاء نظرة على الجبل، لو قمنا بإغلاق جفوننا وتأمّلنا المشهد ذهنيًا، سينتهي بنا الأمر إلى التّركيز على تفاصيله المهمّة. ستُتَرجَم المعلومات البصريّة وتتحدّد ملامح الجبل الأساسيّة: قممه الصخريّة، أثلامه الجليديّة، الضباب الذي يحفّ صفّ الأشجار في الأفق – تفاصيل كنّا قد رأيناها من قبل ولكنْ لم تتمّ ملاحظتها على هذا النحو. ومع أنّ عمر نوح كان ستمئة عام عندما أغرق الله الأرض بالطوفان، وكان قد قضى وقتًا طويلًا في تأمّل ما يحيط به، فإنّ حقيقة أنّها كانت هناك دومًا، وأنّها كانت أبديّةً في فضائه البصريّ، لم تكن لتشجّعه على إعادة تكوينها ذهنيًا. ما كان مغزى التّركيز الشديد على شجيرة في عينه الذهنيّة عندما كان هناك حضورٌ ملموسٌ وافرٌ للشجيرات في الجوار؟ ك...