More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
«متى شحّ الغذاء، فليس صحيحًا أننا نُولَد سواسية. أولئك الأطفال يأتون إلى الدنيا تسبقهم المصاعب».
ربما لهذا استحوذ هاجس النظافة ومياه الشرب على أبي. كانت مسألة حياة أو موت، وسيلة أراد بها، على أقل تقدير، أن يتفادى ألمًا يمكن تفاديه في هذا العالم المُترع بآلام لا مفرَّ منها.
ندَّد في أطروحته بالأطباء الحواة: «الطبيب، في رأيهم، لا بد أن يظلَّ هو الحَبْرُ الأعظم، رفيع المقام، واسع النفوذ، الذي يوزّع النصائح العائلية والتعازي كما لو كانت عطايا إلهية، ويتصدَّق على المعوزين بشعور غامض وكأنه كاهن مُنزَل من السماء، ويعرف كيف يُحسِن القول ساعة الموت التي لا رجعة فيها، ويجيد مداراة نقائصه بالمصطلحات اليونانية».
بفضل رسائل أبي التي ما زلتُ أحتفظ بها، وذكرى المئات والمئات من المحادثات التي دارت بيني وبينه، أدركتُ الآتي: ليس الأمر أن المرء يولد صالحًا، ولكن إذا قُوبِل الشرُّ الغريزي الكامن في داخله بالتسامح والإرشاد، فربما صارت هدايته ممكنة عَبْر سُبُل غير مؤذية، بل وربما أمكن تبديل وجهته.
«ما أكثر الأخطاء نرتكبها إذ نسعى إلى التعليم قبل إدراك النضج الروحي والهدوء العقلي اللذين تمنحهما لنا التجارب والمعارف الكُبرَى في أواخر العمر. فالمعرفة المُجرَّدة لا تعني الحكمة، والحكمة وحدها لا تكفي. بل إن المعرفة والحكمة والخير كلها أمور ضرورية من أجل تعليم الآخرين. وحري بنا، نحن الذين بلغنا منزلة المُعلِّم قبل إدراك الحكمة، أن نطلب الصفح من تلاميذنا عن الضرر الذي ألحقناه بهم».
«رحنا نبدِّل بلدًا بآخر كما لو كُنَّا نبدِّل حذاء بآخر، يدركنا اليأس عندما نجد موضعًا خلا من كل شيء سوى الظلم، من دون أن يكون فيه مكان للسخط. إن الكراهية تشوِّه الملامح، حتى وإن كانت كراهية الخِسَّة. والغضب يضفي على الصوت خشونة، حتى وإن كان غضبًا من الظلم. ورغم ذلك، أرجو أن تفكِّروا فينا برفق متى جاء الزمن الذي يغدو فيه الإنسان صديقًا للإنسان».