‫أربعون 40‬

by أحمد الشقيري

يُحكَى أن زاهدًا كان يعيش تحت شجرة أمام قصر أحد الملوك، فإذا استيقظ الملك من نومه رأى الزاهد في عبادته، فأعجب به، وذهب إليه يومًا، فقال له: أيها الزاهد، أنا معجب جدًّا بزهدك، وأدعوك إلى أن تكون معي في القصر، فردَّ الزاهد: لا بأس، أذهب معك، فاستغرب الملك في نفسه، فكيف هو زاهد، ورضي أن يأتي معه إلى القصر؟! وبدأ يشك في حقيقة هذا الرجل وصدقه، ولكن لأنه دعاه التزم بالدعوة، وبالفعل سكن الزاهد في القصر، وقُدِّمت له غرفة كبيرة، وسرير كبير ومريح، وكل أنواع الطعام، فرآه الملك في غرفته ينام على السرير، وليس على الأرض، ورآه يأكل من أطايب الطعام، فشكَّ أكثر، واستغرب، فصارح الزاهد، وقال: في نفسي شيء منك، أنت زاهد، فكيف تنام على السرير، ولم تزهد في أنواع الطعام المختلفة؟! فما الفرق بيني أنا الملك وبينك أنت الزاهد، طالما لا تمانع أن تعيش مثلي؟ فقال الزاهد: تعالَ معي، وسأشرح لك، فخرجا من القصر، وبدءا في السير حتى خرجا من القرية، فقال الملك: هيا قل لي الآن. فقال له: سِر معي قليلاً، فسارا حتى ضاق صدر الملك، وقال له: هيا اشرح لي الأمر. فقال: أنا ذاهب، ولن أعود للقصر، فما رأيك أن تأتي معي؟ فقال الملك: مستحيل طبعًا أن أترك القصر، ما هذا الطلب الغريب؟! فردَّ عليه الزاهد: هذا هو الفرق بيني وبينك، أنا لا أمانع في أن أسكن تحت شجرة، أو أن أسكن في قصر، ففي كل حال من الأحوال نعمة من الله عليَّ أراها، والآن أنا لا أمانع في ترك القصر، أنا كنت في داخل القصر، ولم يكن القصر في داخلي، ولذلك أستطيع الذهاب بلا عودة، أما أنت فالقصر في داخل قلبك. الزهد يا أيها الملك، مكانه هنا، وأشار إلى قلبه.