More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
ـ ووصفتنا ـ أنا وأنت وطفلينا ـ بأننا تروس آلة ليس لديها أي عقل، مجبرة على تكرار حركات بليدة إلى الأبد .
فلم أستطع فهم أنه يمكنك أن تُعجَب بأخرى . كنت مقتنعة بأنني، إذا كنت قد أعجبتك مرة، فسأظل موضع إعجابك إلى الأبد . اعتقدتُ أن المشاعر الحقيقية لا تتغير، خصوصًا عندما نرتبط بالزواج . قلتُ لنفسي إن هذا يمكن أن يحدث، ولكن فقط للأشخاص السطحيين، وهو ليس كذلك
هل مكثتُ في مفترق الطرق، فلم أنجح في أن أحاكي الأخريات وفي الوقت نفسه لم أظل كما كنت؟ أم أنني بالغت؟ أصبحت جديدة بدرجة كبيرة، وتَسبب لك تغيري هذا في الاضطراب، جعلتُك تخجل مني، ولم تعد تستطيع معرفتي؟
في نظرك لسنا سوى الدليل على كيف ألقيت بشبابك هباءً . تعتبرنا مرضًا منعك من النمو، ومن دوننا تتمنى أن تستعيد صحتك .
(6) ثم تطرح عليَّ مَثَل الدرج . تقول : «هل يحضركِ عندما يصعد المرء الدرج؟ تتقدم القدمان الواحدة خلف الأخرى . هكذا تعلمنا منذ الطفولة . ولكن اختفت فرحة الخطوات الأولى . لقد تشكلنا، في أثناء نمونا، على طريقة سير أبوينا، إخوتنا الأكبر، الأشخاص الذين ارتبطنا بهم . الآن أصبحت الأقدام تصعد على أساس العادات المُكتسبة . والتوتر والانفعال، وفرحة الخطوة فُقدت، مثلما فقدنا خصوصية الخطوة . فنحن نتحرك ونحن نعتقد أن حركة أقدامنا تخصنا، ولكن الأمر ليس كذلك، فمعنا يصعد تلك الدرجات حشدٌ صغير اعتدنا عليه، وثقة الأقدام ليست سوى نتيجة للامتثال ». وتختتم : «إما يغير المرء خطوته ويعثر مجددًا على فرحة البدايات، وإما
...more
. إن الندم على الماضي ليس سوى حماقة، مثلما هي حماقة أيضًا الجري وراء بدايات جديدة
. إنك تحاول فقط أن تنتبه إلى استغلال الظروف عندما تظهر أمامك، إذا ظهرت . في روما ظهرت الفرصة لتعمل كمساعد في الجامعة، وبدأت عملك كمساعد . اجتاحتك ثورة الطلبة، وبدأتَ تنخرط في السياسة . ماتت أمك التي كانت تسندك، ونظرًا إلى أنني كنت موجودة بصفتي خطيبتك، تزوجتني . أنجبتَ طفلين، ولكن فقط لأنه، نظرًا إلى أنك زوج، بدا لك من الضروري أيضًا أن تكون أبًا، إذ هذا ما يفعله الجميع .
. ستستمر كذلك إلى الأبد، لن تستطيع أبدًا أن تكون ما ترغب فيه، بل فقط ما يحدث لك
لقد قتلتَني منذ زمن، وليس في دوري كزوجة، بل في كوني إنسانًا موجودًا في لحظته الأكثر امتلاءً والأكثر صدقًا .
. تشاجرنا الليل كله بصوت منخفض، وكان ألمها بلا صراخ، ألمًا يُضخِّم من عينيها ويشوه ملامحها، وشعرتُ بالرعب منه أكثر من الألم الصارخ . ارتعبتُ ولكنني لم أتورط، لم يدخل ألمها قَطُّ في صدري كأنه ألمي . كنت في حالة نشوة تحيط بي كأنها سترة مضادة للحريق
لم يعد كون المرء متزوجًا ولديه أسرته في سن مبكرة جدًّا علامة على استقلاله، بل على تخلفه
فالحب في تلك الفترة قد أصبح مفهومًا سخيفًا بعض الشيء، وبدا كأنه من بقايا القرن التاسع عشر، ويشير إلى ميل خطير للالتصاق، الذي تجب مقاومته على الفور، في حال ظهر، كي لا يسبب أي ألم للشريك . ولكن مجرد العلاقة مع أخرى، على العكس، أصبحت أمرًا يتخذ شرعية خاصة به، سواء كان المرء متزوجًا أو لا . كنت على علاقة بأخرى، أنا على علاقة بأخرى، كانت عبارات تعبِّر عن حرية وليس عن ذنب
بعد وهلة، بالطبع، استعادت تماسكها، كانت تستعيد تماسكها دائمًا . ولكن في كل مرة تستعيد تماسكها كنت أشعر بأنها فقدت شيئًا ما من نفسها، كان في الماضي يجذبني إليها . لم تكن قَطُّ على هذه الحال، وبدأَت تذبل بسببي، إلا إن ذبولها ذلك بدا لي تصريحًا بأن أبتعد أكثر عنها .
أقول لنفسي : لماذا يجب أن يكون الحصول على بعض الحرية بهذه الصعوبة؟ لماذا نحن بلد بهذا التخلف؟ لماذا في الدول الأكثر تطورًا، كل شيء يحدث من دون تلك المآسي الكبرى؟
ولكنها لم تكن تمزح على الإطلاق . كانت متعَبة، لم تكن تنام، تحاول أن تفهم كيف يمكنها أن تعقِّلني . ونظرًا إلى أنها لم تستطع، تحاول أحيانًا أن تستدر عطفي، وأحيانًا أخرى أن تغضبني، مرات أن تتوسل إليَّ ومرات أخرى أن تخيفني . كنت أقول لها : «يجب ألَّا تتمسكي بي بهذه الطريقة ». فتجيبني شاعرةً بالإهانة : «مَن المتمسك بك؟ اذهب ». ولكن بعد ذلك بدقيقتين تتمتم : «انتظر، اجلس، إن جنونك أفقدني عقلي ».
. فقد نشأ كلانا على فكرة أن هناك طريقة معينة للوجود قائمة في النظام الطبيعي للأشياء . كان طبيعيًّا أن زواجنا سيستمر حتى يُفرق الموت بيننا . كان طبيعيًّا ألَّا يكون لزوجتي عمل سوى ذلك الخاص بالعناية بالمنزل . وحتى حينها وقد بدأ كل شيء في التغير ـ تلك المرحلة «السابقة للثورة » ، كما كان يُقال ـ لم يكن مقبولًا أن تتوقف الأمهات عن العناية بأطفالهن .
وسألتني : ـ هل تريد أن تستمر في دورك كأب؟ ـ أجل . ـ وكيف؟ بأن تظهر مرة أو مرتين لتغرس السكين في الجرح، ثم تبتعد لمدة أشهر؟ هل تريد أن يوجد الطفلان تبعًا لأوامرك، فقط عندما يريحك وجودهما؟ ـ سآتي لأراهما في نهاية كل أسبوع . ـ آه، ستأتي لتراهما . هل تريد أن تقول إنهما سيمكثان معي؟ اضطربتُ، وتلعثمتُ : ـ حسنٌ، يمكنني أن آخذهما أنا أيضًا بعض الوقت .
صرخَت : ـ أيضًا؟ أيضًا؟ أنا آخذهما طوال الوقت وأنت سـتأخذهما أيضًا؟ هل تريد أن تدمرهما كما تعمل على تدميري؟ لكن الأطفال بحاجة إلى أبويهما دائمًا وليس أيضًا .
لم يكن يعجبها شيء . تلومني لأنني أُشغل التلفزيون، وتنتقدني لأنني أجعلهما يلعبان بعنف، وتقول لي بسخرية إنني أثيرهما كثيرًا حتى إنهما لن يستطيعا النوم . يصبح التوتر غير محتمل، وينتهي الأمر بأن نتشاجر أمام «ساندرو » و «آنَّا ». لم تعد المشاجرات تتم بحرص . أقنعَت «فاندا » نفسها بأن الطفلَين لا بد أن يعرفا، ويقيِّما، ويحكما
كان لكل مشاجرة تقوم بها «فاندا » ، في تلك المرحلة، هدف آخر . أرادت أن تثبت ـ ليس فقط لي بل لنفسها أيضًا ـ أنني لا أعرف أن أكون أبًا في منأى عنها، ولا أستطيع ذلك، وأنني باستبعادي لها أستبعد نفسي أيضًا، وأنه من دون أن نتصالح، لن تعود الحياة ـ أي الطريقة التي عشنا بها حتى اللحظة التي اعترفتُ لها بخيانتي ـ ممكنة .
صرخت بصوت يتمزق في صدرها كأنه يخنقها : ـ أن يفهما . أن يفهما لماذا رحلتَ لتعيش في مكان آخر، ولماذا هجرتهما، ولماذا تمكث معهما رغمًا عنك فقط لبضع ساعات ثم تذهب، من دون أن توضح متى ستعود أو متى ستكرس نفسك لهما كما يستحقان .
ـ من الصعب أن يتألم المرء بطريقة لطيفة .
هناك مسافة لا يمكن قياسها بالكيلومترات، ولا حتى بالسنوات الضوئية؛ هي المسافة التي يسببها التغير .
أو ربما كنت أعترض بصفة عامة على الجنون المنتشر بأن نطالب بكل ما نتمناه، من دون أن نفكر في خطورة ذلك على الآخرين، وفي الألم الذي تسببنا فيه
سواء أنا أو هي، نعرف فن التكتم . من الأزمة التي حدثت منذ عدة أعوام، تعلَّم كلانا أننا، لكي نعيش معًا، علينا أن نقول أقل بكثير من المسكوت عنه . ونجح ذلك
ولكنني أفضِّل دافعًا مراوغًا أكثر، وحقيقيًّا أكثر : أردتُ أن أثبت لنفسي أنني، على الرغم من أنني أعدت بناء الزواج القديم، وعدت إلى العائلة، ووضعت الخاتم في إصبعي، فإنني ما زلت حرًّا، ولم تعد لديَّ قيود حقيقية .
. كانت تلك العبارات منها، رغمًا عنها، آثارًا لصوت لم يعد ينتمي إليها .
كل قصة مكتوب لها، إن آجلًا أو عاجلًا، أن تصطدم بالكلمة الأخيرة؟
هذا المنزل يحزنني، عشت فيه منذ سن السادسة عشرة حتى الرابعة والثلاثين . كأن أبوينا، بكل ما لديهما من مآسٍ، نقلا إليه الأسوأ في كل المنازل التي عشنا فيها
ـ الأربطة الوحيدة التي وضع والدانا لها اعتبارًا هي تلك التي عذب بها كل منهما الآخر طوال حياته
ـ أبوانا أهديانا أربعة سيناريوهات تعليمية جدًّا . الأول : بابا وماما شابان سعيدان، والطفلان يستمتعان بجنة عدن . الثاني : بابا يعثر على امرأة أخرى ويختفي معها، ماما يجن جنونها، والطفلان يفقدان الجنة . الثالث : بابا يعيد التفكير، ويعود إلى المنزل، ويظن الطفلان أنهما سيدخلان مرة أخرى إلى الفردوس الأرضي، وبابا وماما يثبتان يوميًّا أنه مجهود بلا فائدة . الرابع : الطفلان يكتشفان أن جنة عدن لم يكن لها وجود قَطُّ، وأن لا بد من الرضا بالجحيم
الإحصاء : الأول والثاني والثالث والرابع . فأنتما الاثنتان تستمتعان بوضع السياجات، وحبس الآخرين داخلها
. إذا كنتُ أنا أسوأ من ماما، فأنت أسوأ من بابا، لا تستمع إلى أحد مطلقًا، بل قد ورثت أسوأ ما فيهما هما الاثنين، لأنك ليس فقط لا تستمع، ولكن تمامًا كما تفعل ماما، تتعلق بتفصيلة صغيرة جدًّا، وتبني فوقها جبلًا من التفاهات .
. قد يكون حقيقيًّا بالفعل ذلك الترابط بين عدم وجود النقود وعدم وجود الحب، ولكن إذن لماذا، بمجرد أن تكون معي النقود، أبذرها، وبمجرد أن يحبني أحدهم أدفعه إلى الهروب؟
(6) أجيبه بعنف، وأقول له : ـ لقد تعلمتُ شيئًا واحدًا فقط من والدينا : أننا يجب ألَّا ننجب الأطفال . ثم بهدوء مصطنع، وأنا أخنق صوتي في حنجرتي، أصرُّ : ـ في كل الأحوال ينتهي الأمر بأن يؤذي كلٌّ منا أطفاله، ومِن ثَمَّ يجب أن نتوقع أنهم سيتسببون لنا بألم أكبر .
يتصرف كالمعتاد بأن يمدح نفسه، فهو مقتنع، بطبيعة الحال، بأن الطريق الصحيح هو ذلك الذي سلكه هو : من خلال تعدد الأمهات، وتعدد الآباء، وتعدد مراكز الحب والجنس . إنه اضطراب الأدوار، أي نهاية المفهوم التقليدي للزواج : لا توجد زوجة واحدة، نساء مختلفات كلهن حبيبات، وأطفال متنوعون كلهم محبوبون . يقول لي بغروره المعسول : ـ عندما أهتم بالأطفال لا أُنقصهم شيئًا، فأنا بالنسبة إليهم الأب والأم
وهكذا، عند لحظة ما، ألقي إليه بواقع أنه لم يخرج حقًّا قَطُّ من الكوارث التي كبرنا داخلها، وبأنه سينقل إلى أطفاله الأحزان التي نقلتها إلينا أمنا : الرجل الذي يصبح امرأة، والمرأة التي تصبح رجلًا، الأب الذي يصبح أمًّا، والأم التي تصبح أبًا .
وأهمس له بأنني مع إلغاء الأطفال، مع إلغاء الحمْل والوضع، الإلغاء، نعم، الـ ...إلـ ...غاء . أريد أن ألغي حتى ذكرى الإنجاب بواسطة بطن المرأة،
. آه بالفعل، أن نعيش من أجلهم . لقد فعلتهم ـ نسخ ولصق ـ ولا بد من الاحتفاظ بهم مهما حدث . إذا عرضوا عليك عملًا في الخارج، أو لا بد لك من أن تعمل نهارًا وليلًا من أجل نتيجة ما أنت حريص عليها، أو ترغب في أن يكون وقتك كله مكرسًا لرجل ما، إلا إنك لا يمكنك ذلك، فالأبناء ملتصقون بك، يذكِّرونك بأنك لا يمكنك هذا، فإنهم بحاجة إليك، تلك الثعابين الصغيرة المستفزة، بتشبثاتهم القوية والمتوحشة . أي شيء تفعله لتسعدهم يكون قليلًا جدًّا دائمًا . يريدونك لأنفسهم، ويبدعون بكل الطرق ليضعوا العراقيل في طريق أي شيء ضروري لك . ليس فقط أنك لا تملك نفسك ـ يا لحماقة هذا الشعار القديم أيضًا ـ ولكن لا يمكنك حتى محاولة أن
...more
أرأيت؟ وإذا كان هذا الحديث ينطبق على حجرتينا، تخيل أنت ماذا سيحدث إذا نظرنا إلى أشيائهما؟ سأقول لك مثالًا : هل تعرف أن ماما تحتفظ بكل دفاترها الخاصة بالمشتريات ـ الخبز، المعكرونة، البيض، والفاكهة ـ منذ اليوم الأول لزواجها، منذ عام 1962 حتى اليوم؟ وبابا؟ يحتفظ حتى بالحماقات التي كان يكتبها وهو في سن الثالثة عشرة، وذلك من دون أن نحصي الصحف والمجلات التي نشر فيها، والملحوظات على الكتب التي قرأها، ووصفًا لكل الأحلام التي حلم بها، وهكذا .
في هذا المنزل يوجد نظام ظاهري، ولكن هناك فوضى حقيقية .
كم أنت طيب . كم أنتم جميعًا طيبون مع النساء . لديكم ثلاثة أهداف عظيمة في الحياة : نكاحنا، حمايتنا، وإيذاؤنا
وكيف كنت أكرهه لأنه لم يحاول قَطُّ أن يرفع إصبعه لحمايتنا منها . «بابا، أريد هذا ». «اسألي ماما ». هي تقول لا، إذن لا
كان كل منهما يختبئ من الآخر، ولكن كان كل منهما يترك ما يهدده لأن يُكشف في أي لحظة
ـ ستتألم . ـ ولكن القط لن يـتألم . انظر كم هو سعيد؟

