More on this book
Kindle Notes & Highlights
إذ لا يمكن لأمَّـة أن تقوم بإصلاح ما إلاَّ إذا شعرت شعورًا حقيقيًا بالحاجة إليه، ثمَّ بالوسائل الموصِّلة له.
وكثيرًا ما يكتفي الكسول وضعيف القوَّة في الجدل بأن يقذف بكلمة باطلة على حق ظاهر يريد أن يدفعه فيقول: تلك بدعة في الإسلام، وما يرمي بهذه الكلمة إلاَّ حبُّ التخلُّص من مشقَّة الفهم، أو الخروج من عناء العمل في البحث أو الإجراء، كأن الله خلق المسلمين من طينة خاصة بهم، وأقالهم من أحكام النواميس الطبيعية التي يخضع لسلطانها النوع الإنساني وسائر المخلوقات الحية.
فقد تتغلَّب العادات على الدين نفسه فتفسده وتمسخه بحيث ينكره كلُّ مَنْ عرفه.
فإذا فاق الرجل المرأة في القوَّة البدنيَّـة والعقليَّة فذلك إنما؛ لأنه اشتغل بالعمل والفكر أجيالاً طويلة كانت المرأة فيها محرومة من استعمال القوَّتين المذكورتين، ومقهورة على لزوم حالة من الانحطاط تختلف في الشدَّة والضعف على حسب الأوقات والأماكن.
«الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكلِّ ما يُنقَش، ومائل إلى كل ما يُمَال إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه وعَلِمه؛ نشأ عليه
وسعد في الدُّنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكلُّ معِّلم له ومؤدِّب، وإن عُوِّد الشرّ، وأُهمِلَ إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي له.
ويندر جدًا أن يوجد شخص يبتدئ بعد بلوغه سنَّ الرجولية في إصلاح ما فسد من ملكاته ثمَّ ينجح في ذلك، اللهم إلاَّ إلى حدٍّ محدود.
ولكن أرى همم الناس موجَّهة إلى التعليم، ولا أرى أحدًا يلتفت إلى تربيَّـة النفوس، وأرى أن الحرص على التعليم منحصر في تعليم الذكور، مع أن تهذيب الأخلاق مُقدَّم على التعليم، وتعليم البنات مُقدَّم على تعليم الذكور.
بلا نزيد عليه أنه لو استمرَّ تخفيف الحجاب يتقدَّم بالسرعة التي سار بها إلى الآن — والنفوس على ما هي عليه — لعمَّت البلوى وازداد الفساد انتشارًا.
متى تهذَّب العقل ورقَّ الشعور في الرجل؛ أدرك أن الذي تشتاق إليه نفسه هو حبٌّ يصل بينه وبين إنسان مثله بحسن اختيار وسلامـة ذوق، لا بمجرَّد نزعات الهوى ونزوات الشهوة؛ فيسعى جهده في ما يقويه ويشدُّ عراه، ويبذل ما في وسعه للمحافظة عليه. متى تهذَّب العقل ورقَّ الشعور في الرجل والمرأة لا تقتنع نفاسهما بالاختلاط الجسماني وحده بل يصير أعظم همِّهما طلب الائتلاف العقلي والوحدة الروحيِّـة.