‫الكل يكذب: البيانات الضخمة، والبيانات الحديثة وقدرة الإنترنت على اكتشاف الخفايا‬

by Seth Stephens-Davidowitz

قادنا هذا الاكتشاف إلى نتيجة مفادها أن عمليات البحث التي تبدو وكأنها محايدة يمكن فعلاً أن تزودنا ببعض المؤشرات عن المرشح الذي يحظى بدعم الناخب، ولكن كيف؟ يمكن ذلك من خلال الترتيب الذي يظهر فيه المرشحون، حيث يشير بحثنا إلى أن الناخب غالبًا ما يكتب اسم المرشح الذي يدعمه قبل اسم المرشح الآخر، ففي الانتخابات الثلاثة السابقة، حصل المرشح الذي ظهر اسمه أولاً في أكثر عمليات البحث على أكبر عدد من الأصوات، والعجيب في الأمر أن ترتيب أسماء المرشحين خلال عمليات البحث ينبئ عن توجه الولاية، بل يبدو أيضًا أن ترتيب المرشحين خلال البحث يحتوي على معلومات غائبة عن الاستبيانات، فخلال انتخابات عام 2012 بين كل من أوباما والجمهوري ميت رومني، تنبأ نيت سيلفر الذي يعدّ خبيرًا إحصائيا وصحافيا نزيها بالنتيجة في جميع الولايات الخمسين على وجه الدقّه، إلا أننا وجدنا بأن الولايات التي كان اسم رومني فيها يتقدم على اسم أوباما خلال عمليات البحث المتكررة حصل فيها رومني على حصة أفضل مما توقعه سيلفر، وفي الولايات التي يتقدم فيها غالبًا اسم أوباما على اسم رومني، حصل فيها أوباما على حصة أعلى مما توقعه سيلفر.

Idea1

لكني سأعترف لكم أولاً بأني لن أقدّم لكم تعريفًا دقيقًا لمعنى البيانات الضخمة. لماذا؟ لأنه في طبيعته مفهومٌ غامضٌ؛ أي ما الذي يجعل الضخمَ ضخمًا؟ هل يمكننا أن نقول بأن العدد 18,462 من المشاهدات يعتبر بيانات صغيرة، والعدد 18,463 يعدّ بيانات كبيرة؟ إنني أفضّل تبنيّ رؤية شاملة لما يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف، في حين أن معظم البيانات التي أتعامل معها جمعتها من الإنترنت، فإنني سأتناول مصادر أخرى أيضًا؛ لأننا نعيش في خِضَمّ انفجار من المعلومات المتاحة والمتعددة كمًّا وكيفًا، حيث يتدفق أكثر هذه المعلومات الجديدة من جوجل ووسائل التواصل الاجتماعي، بعضها حصيلة رقمنة المعلومات التي كانت في السابق محفوظة داخل الخزائن والملفات، وبعضها الآخر مصدره مصادر أبحاث السوق التي تزداد حينا بعد حين، وبعض الدراسات التي نوقشت في هذا الكتاب لا تستخدم مجموعات ضخمة من البيانات إطلاقًا، وإنما توظف منهجًا جديدًا ومبتكرًا لاستخدام البيانات؛ وهي مناهج حيوية في عصر يتدفق بالمعلومات. لماذا تعد البيانات الضخمة جبّارة للغاية؟ لك أن تتصور جميع المعلومات المنتشرة في الإنترنت خلال يوم واحد، وأن لدينا رقم بمقدار تلك المعلومات المتوفرة، حيث يضخّ الناس خلال اليوم العادي في أوائل القرن الحادي والعشرين ما مقداره 2,5 مليون تريليون بايت من البيانات، وأن كلها بمثابة أدلة.

ينتاب الكثيرين القلق جراء هذا التطور؛ لأنهم يخشون البيانات، ويتيهون فيها بسهولة، وينتابهم الاضطراب وسط معمعة الأرقام، ويظنّون أنهم غير قادرين على فهم العالم كمّيًّا، وأن هذا الفهم الكميّ مقصور على صفوة قليلة من الموهوبين الذين يستخدمون الجهة اليسرى من الدماغ؛ لذا بمجرد أن يروا الأرقام، فإنهم سيقلبون الصفحة، أو ينهون الاجتماع، أو يغيرون موضوع الحديث. لكنني قضيتُ عشر سنوات في مجال تحليل البيانات، كما حظيتُ بفرصة العمل مع شخصيات كثيرة بارزة في هذا المجال، وأهمُّ الدروس التي تعلمتها هو: أن علم البيانات الجيد يعتبر أقل تعقيدًا مما يظنّه الناس، وفي الواقع، علم البيانات المتفوق هو بدَهيّ لحدّ الانبهار!

إننا عندما نعتمد على حدسنا، فإننا قد نضلُّ الطريق بسبب أن الناس تنجذب أصلاً للإثارة، فضلاً عن أننا نميل إلى المبالغة في تقدير انتشار القصة التي ربما أصبحت شيئا لا يُنسى، وعلى سبيل المثال، عندما يُسأل الناسُ في أحد الاستبيانات، فإنهم كثيرًا ما يجعلون الأعاصير السببَ الأكثرَ شيوعًا للوفاة مقارنة بمرض الربو، لكن الواقع يقول بأن عدد الوفيات بسبب الربو تقدر بسبعين ضعفًا، ولكن حالات الوفاة بسبب مرض الربو لا يُعلن عنها، ولا تظهرُ في الأخبار مقارنةً بوفيّات الأعاصير.