Kindle Notes & Highlights
by
جرجي زيدان
Read between
March 3, 2019 - December 15, 2020
امتياز كل أمة بآداب أجادت فيها وتناقلتها سائر الأمم عنها، كامتياز اليونان بالفلسفة والشعر القصصي والتمثيل، وعنهم أخذها سائر الأمم، وامتاز الرومان بوضع الشرائع والنظم السياسية والاجتماعية التي هي أساس شرائع أوربا ونظامها الاجتماعي إلى اليوم، وامتاز الهنود بوضع القصص الخرافية على ألسنة الحيوانات مثل كليلة ودمنة وعنهم أخذها سائر الناس، وأما العرب فقد ملئوا الدنيا شعرًا وأدبًا وفقهًا وتاريخًا وهم قدوة الناس في المعاجم العلمية والتاريخية وفلسفة التاريخ.
الشعراء فاعلمَنَّ أربعهْ فشاعرٌ يَجْري ولا يُجْرَى معه وشاعرٌ يخوض وَسْط المعمعهْ وشاعر لا تشتهي أن تسمعه وشاعر لا تستحي أن تصفعه
الجاهلي لا ينظم التماسًا للعطاء وإنما ينظم لداعٍ يحركه، إما دفاعًا عن عرض، أو تحمسًا لحرب، أو تشكيًا من الفراق، أو بكاءً على فقيد، أو نحو ذلك، وقد يمدح ولكن مدحه يكون على الغالب شكرًا على صنيع لا استدرارًا لجائزة، كما صار إليه الشعراء في الإسلام
وما ذرقت عيناك إلا لتضربي بسهْمَيك في أعشار قلبٍ مُقَتَّلِ
ومن قوله في حب الخمر: إذا مت فادفني إلى جَنْبِ كَرمةٍ تروِّي عظامي بعد موتي عروقُها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
أماويَّ قد طال التجنب والهجر وقد غَدَرتني في طلابكم الغدر أماويَّ إن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذِّكْر أماويَّ إني لا أقول لسائل إذا جاء يومًا حلَّ في مالنا النذر أماويَّ إما مانع فمُبَينٌ وإما عطاءٌ لا ينهنهه الزجر أماويَّ ما يغني الثراءُ عن الفتى إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدر
هو علقمة بن عبدة من تميم، وكان معاصرًا لامرئ القيس وينازعه الشعر، وتحاكما إلى أم جندب زوجة امرئ القيس، فقالت لهما أنظما قصيدتين من وزن واحد وقافية واحدة تصفان بها الخيل، فنظم امرؤ القيس قصيدته التي مطلعها: خليليَّ مُرَّا بي على أم جُنْدَبِ لنقضي لُبانات الفؤاد المعذَّب ونظم علقمة قصيدة مطلعها: ذهبتَ من الهجران في كلِّ مذهب ولم يك حقًّا كل هذا التجنُّبِ وأنشداها القصيدتين فحكمت لعلقمة لأن امرأ القيس قال في وصف سرعة الفرس: فللسوط ألهوب وللساق دِرَّة وللزَّجر منه وقع أهوج مَنِعْبِ١٩ وقال علقمة: فأدركهنَّ ثانيًا من عِنانه يمرُّ كمر الرائح المتحلِّبِ ومرجع حكمها إلى أن امرأ القيس أجهد فرسه بسوطه
...more
قس بن ساعدة (توفي سنة ٦٠٠م) هو من إياد يعدونه من الخطباء، ولكنه كان خطيب العرب وشاعرها وحكيمها في عصره، وهو أسقف من نجران، والمشهور أنه أول من علا على شرف وخطب عليه، وأول من قال: «أما بعد»،
وشكاه الناس لعمر بن الخطاب فسجنه، فكتب إليه من السجن أبياتًا يشكو إليه حال أهله بسبب سجنه منها: ماذا تقول لأفراخٍ بذي مَرَخٍ حُمر الحَواصل لا ماءٌ ولا شجر ألقيت كاسِبَهم في قَعْر مظلمةٍ فاغفر عليك سلام الله يا عمر
فمما هجا به أمه قوله: أغِرْ بالًا إذا استودعتِ سِرًّا وكانونًا على المتحدِّثينا جزاك الله شرًّا من عجوز ولقَّاك العقوق من البنينا
حسنٌ قولُ نَعَمْ من بعد لا وقبيحٌ قول لا بعد نعم
أما واضع علم النحو أو مدونه فهو بالإجماع أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة ٦٩ﻫ،
ألا ليت اللِّحى كانت حشيشًا فنَعْلفها خُيولَ المسلمينا
وذلك أن معاوية كان يخاف إذا بايع لابنه بولاية العهد أن يغضب المسلمون لأن توارث الملك لم يكن معروفًا في الإسلام، فأحب أن يجس نبض الرأي العام قبل إعلان فكره، كما يفعل بعض دهاة السياسة في هذه الأيام، إذ يوعزون إلى الصحف التي تدافع عن آرائهم أن تذكر عزمهم على العمل الفلاني، وينظرون إلى ما يكون من وقعه عند الناس، ويكون لهم مندوحة للرجوع عنه إذا توسموا فيه خطرًا، فأوعز معاوية إلى مسكين أن يقول أبياتًا في معنى المبايعة ليزيد،
وكان الأخطل يشرب الخمر ولا يجيد النظم إلا إذا شرب، ولكنه لم ينظم شعرًا تستحي العذراء من سماعه.
إذا غَضَبَتْ عليك بنو تميمٍ حسبت الناس كلَّهمُ غِضابا وهو أحسن بيت في الفخر، وبسببه بدأت المهاجاة بين جرير والعباس بن يزيد الكندي، وقد ساءه تفاخر جرير بتميم فعارضه بقوله: ألا رغمتْ أنوفُ بني تميم قُساة التمر إن كانوا غضابا لقد غضبتْ عليك بنو تميمٍ فما نكَأتْ بغضبتِها ذُبابا لو اطلَّع الغرابُ على تميم وما فيها من السَّوءات شابا
ومن قوله يرثي امرأته: لولا الحياء لعادني استعبارُ ولزرتُ قبركِ والحبيبُ يُزَارُ ولَّهتِ قلبي إذ عَلَتْنِي كَبرة وذوو التَّمائم من بنيكِ صغار لا يلبث الأحباب أن يتفرقوا ليلٌ يَكُرُّ عليهمُ ونهار صلَّى الملائكة الذين تُخُيِّروا والطيبون عليك والأبرار
ومن خبيث هجائه قوله يهجو الأشاقر: قُبَيِّلَةٌ خيرها شرها وأصدقها الكاذب الآثمُ وضيفهمُ وسط أبياتهم وإن لم يكن صائمًا صائمُ
ستبقى لها في مُضمرِ القلب والحَشا سريرةُ حبٍّ يوم تَبلى السرائر
ولو أن ليلى الأخيليَّة سلمتْ عليَّ ودوني تُربَةٌ وصفائح لسلمتُ تسليم البشاشة أو زقا إليها صَدًى من جانب القبر صائح ولو أن ليلى في السماء لأصعدتْ بطرفي إلى ليلى العيونُ اللوامح
النحو: وأول شيء احتاجوا إليه في ضبط القراءة «النحو»، وقد بعثهم على التعجيل في وضعه وضبط قواعده ما شاهدوه من لحن الناس في قراءة القرآن بعد الفتوح وانتشار العرب في الآفاق، فسمع أبو الأسود الدؤلي رجلًا يقرأ أَنَّ الله بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بخفض رسولُه، فصنف باب العطف والنعت، وهو من أسس علم النحو. ثم وضع الإعجام لضبط القراءة، فكان القرآن من أهم البواعث على وضع النحو أو الإسراع في وضعه، فتمت قواعده ولم يتم القرن الثاني للهجرة؛ أي إنه نضج في قرن وبعض القرن، واليونان لم يتم علم النحو عندهم إلا بعد إنشاء دولتهم بعدة قرون، ولم يضع الرومان نحو اللغة اللاتينية إلا بعد قيام دولتهم بستة
...more
يوم تقاصر واستبث نعيمُهُ في ظل ملتفِّ الحدائق أخضرا وإذا الرياح تنسَّمت في روضةٍ نثرت به مسكًا عليك وعنبرا
ذكروا أن مطيع بن أياس مر بيحيى بن زياد وحماد الراوية وهما يتحادثان، فقال لهما: «فيم أنتما؟» قالا: «في قذف المحصنات.» قال: «أَوَفِي الأرض محصنة تقذفانها؟» ويدل هذا من جهة أخرى على رأيهم في المرأة.
كانوا لكثرة محفوظهم منه يرمزون باسم الشاعر إلى بيت من أبياته مشهور بمعنى، ويريدون ذلك المعنى كما اتفق للرجل الجالس على جسر بغداد والمرأة التي مرت به قادمة من الرصافة، فاستقبلها بقوله: «رحم الله علي بن الجهم.» فقالت له المرأة: «رحم الله أبا العلاء المعري.» وما وقفا، بل سارا مشرقًا ومغربًا — قال الراوي: «فتبعت المرأة وقلت لها: والله إن لم تقولي لي ما أراد وما أردت لأفضحنَّك، قالت: أراد بعلي بن الجهم قوله: عيون المها بين الرصافة والجسرِ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري وأردت بأبي العلاء قوله: فيا دارها بالخيف إن مزارها قريب ولكن دون ذلك أهوالُ٢٨
ومن قوله في هجاء المعتصم: ملوك بني العباس في الكتب سبعةٌ ولم تأتنا عن ثامن لهمُ كتبُ كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة خيار إذا عدوا وثامنهم كلبُ وإني لأعلي كلبهم عنك رفعةً لأنك ذو ذنب وليس له ذنبُ
أما ابن هاني متنبي الغرب فيكتفي مثالًا لمبالغته القصيدة التي مدح بها المعز لدين الله الفاطمي، ومنها قوله: ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ فاحكم فأنت الواحد القهارُ وكأنما أنت النبي محمدٌ وكأنما أنصارك الأنصارُ أنت الذي كانت تبشِّرنا به في كُتْبها الأحبار والأخيارُ
أحمرة وجنتيك كَسَتْكَ هذا أَمَ انتَ صبغتَه بدم القلوبِ
لا تعذليه فإن العذل يولعه قد قلتِ حقًّا ولكن ليس يسمعُهُ
فيكتور هوكو من قصيدة «الملوك»، وهي من أشد قصائده وطأة، قال منها يخاطب الملوك: «أتظنون أننا نحبكم! نحن الذين نشتغل في هذه الأرض ونستخرج ثروتها ونكد ونجد في حر الشمس وبرد الشتاء، ولا ننال من أتعابنا غير الجوع والعطش، وأنتم على سرر مرفوعة من العز والنعيم، وعلى جانب من التبذير والإسراف والفحش، نحن الخدم وأنتم الملوك، نحن الغنم وأنتم الذئاب، نحن الفريسة وأنتم المفترسون، تبنون القصور من أموالنا وأتعابنا وترتعون فيها وتلعبون ونحن نقاسي نزاع الموت على لقمة. لا شغل لكم إلا الأكل والنوم والسكر والفحش والقتل والظلم.»١
وإذا الكريم رأى الخمول نزيله في منزل فالحزم أن يترحلا كالبدر لما أن تضاءل جد في طلب الكمال فحازه متنقلا
يقول أبو سعيد إذ رآني عفيفًا منذ عام ما شربت على يد أي شيخ تبت قل لي فقلت: على يد الإفلاس تبت
على أن الفضل الأكبر في بقاء آداب اللغة العربية في ذلك العصر يرجع إلى مصر والشام، وهما في حوزة السلاطين المماليك ومن بقي من الملوك الأيوبيين، فقد كانتا الملجأ الوحيد لأبناء هذا اللسان في فرارهم من وجه المغول عند اكتساحهم خراسان وفارس والعراق، وكانتا مملكة واحدة عاصمتها مصر القاهرة ولغة حكومتها عربية، فنبغ فيهما معظم شعراء العصر المغولي وأدبائه وأطبائه وسائر رجال العلم فيه
اسبلن من فوق النهود ذوائبا فتركن حبات القلوب ذوائبا
تشنيف السمع في انسكاب الدمع: جمع فيه ما قاله الشعراء في الدمع ووصفه، جعل ذلك في مراتب، فبدأ بالبكاء في شعر الجاهلية كقول امرئ القيس: «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل» وقول قيس بن ذريح: «هل الحب إلا عبرة ثم زفرة»، وتدرج إلى زعمهم إن الدمع فاضح سرهم، إلى أن خرج عن دائر الأمر المعهود فصار كالمطر المنهمل وجرى كالأنهار أو البحور مع بحث انتقادي منه نسخة في المكتبة الخديوية في ١٧٧ صفحة.
دمعة الباكي ولوعة الشاكي: يشتمل على أخبار أهل الغرام وفيه كثير من أقوالهم، ويسمى أيضًا «المقدمة السنية والجوهرة البهية» منه نسخ في غوطا وباريس وطبع بمصر سنة ١٣٠٧ وفي الأستانة.
وأشهر شعره لاميته المعروفة باسمه نظمها لابنه في ٧٧ بيتًا مطلعها: اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل وهي مشهورة وتعرف بنصيحة الأخوان،