More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
زلت، برغم خيباتي، أثق بالبشر. لكنّني حفظت الدرس الأهمّ: لا شيء يستحق الحزن، فثمّة دائمًا أمر في علم الغيب، لا ندري به بعد، سيأتي في الوقت المناسب، لمواساتنا. لكنّنا قبل ذلك سنكون قد بكينا كثيرًا، وفتحنا مجالس عزاء، وأعلنّا الحداد، وأخذنا العالم مأخذ الجد، لأنّ أحدهم وعدنا بأحلام أبديّة، ثمّ مضى إلى الأبد.
الكاتبة جوانا ترولوب «مأساة العالم هي أنّ الرجال يحبّون النساء، والنساء يحببن الأطفال، والأطفال يحبّون القطط»؟
أصبحنا نعيش ذعر العواطف، ولنا سوء ظنّ بالمشاعر.
باختصار، نحن يتامى الحبّ وثكالى الأوطان.
«انتبه أيّها المسافر. قد يأتي الحبّ كرفيق مصادفة، ثمّ تُفاجأ به يلازمك. اترك له مقعدًا شاغرًا جوارك، كي يستدلّ عليك وسط الزحام. ذلك أنّه يصل عندما تكون مزدحمًا بكلّ شيء عداه».
الكاتب يتعرّى نيابة عن قرّائه ويرتكب جرائم حبر في حق نفسه، ليبقى شرف القارئ مصونًا..
قلت الفراق..؟ يا للكلمة! كيف لصاعقة أن تكون كلمة؟! إنّه هزّة وجدانيّة خارج التوقّعات الجيولوجيّة، زلزال لم يضع له ريختر درجة في سلّمه لأنّ ارتدادته قد تمتدّ لأعوام، يأتي على كلّ بنيان خلته سقفك الأبدي، وما ظننته يستند إلى أحجار الدومينو، وآيل للسقوط يومًا، لأنّ حجرًا صغيرًا مال.
تكتشف حماقتك وأنت تراجع مستنداتك. كيف جعلت «إلى الأبد» وتد خيمتك، وصدّقت أنّك متّكئ على حبّ أبدي، فلم تحمِ نفسك من عواصف القلوب وتقلّباتها، برغم علمك بأنّ القلب سُمّي كذلك لتقلّبه؟
باكرًا ينصرف العشّاق. في صفّ السنة الثالثة – حبّ، يكونون قد غادروا. كلّ المقاعد شاغرة، وقائمة الطلبة عند النداء مزدحمة بالغائبين الذين رسبوا في امتحان «إلى الأبد». ذلك أنّ كلّ مناهج الحبّ اعتمدت «إلى الأبد» أول درس في أبجدية العواطف، ونسيت أنّ الحبّ لا يعيش بغير الإحساس الدائم باحتمالية الفقدان.
أنت نفسك انفصلت عن نفسك. أول فراق وأقساه، فراقك للإنسان الحالم الواثق الذي كنته.
أراك عصيّ الحبر
كلّما تماديت في اشتياقه، غدا شهيًّا كفراق، وهل أشهى من مفارق؟!
على مدى عشرين سنة كان ظهوري حدثًا. صنعت ضوئي من عتمتي، وحضوري من غيابي، وامتلكت شهرة قبل زمن الأنترنت من فضول قرّائي لمعرفتي.
«قرابة الحبر أقوى من قرابة الدم»
«أفضل ما في الكتابة صناعة الصدق من مجموعة الأكاذيب».
«رأيت برقًا.. فقلت هذه أنتِ!».
وقتها أصبحت أرى في كلّ لقاء بعد غياب حالة ضوئية، في شكل برق. من أين آتي إذن ببرق أبدأ به هذا الكتاب؟
أحد دروس نزار التي ما نسيتها، كان «عليك أن تدافعي عن الجملة التي تخافينها.. لأنّها أنت».
للكذب. الكلمة الأولى كالفكرة الأولى، وحدها تشبهنا.
تختر كلماتك بعناية، لا تصحّح لقلبك تدفّقه الأول، فليست بلاغة الرسائل ما يدهشنا بل صدقها، وليس طولها بل وقعها.
أيّها العشاق... مهما كانت أسباب الفراق، إن وهبتكم الحياة فرصة لقاء بعد قطيعة، فتوقفوا لبرهة عند الجملة الأولى، كي تطيلوا صدق تلك الحالة الضوئيّة. أبرقوا كي تصدقوا!
إن كان بعض الظنّ إثمًا، فبعض الجبن وفاء..
ما يؤلمنا حقًا نكتبه ولا نقوله، الكتابة بوح صامت، وجع لا صوت له. لكنّنا ننفضح دومًا به، ننسى أنّ الحبر لا ينسى، لكنّه برغم وشايته لا يفتري على أحد. هل يمكنني ائتمانك على ما سأكتبه لك؟
وحده الحبّ بإمكانه بحرف واحد أن يهدي لك كلّ الصفات والأسماء، وأن يحوّلك إلى قبيلة من النساء.
أثرى النساء أنا لست ثريّة بما أملك ثريّة لأنك تملكني.
لا تعايد إلّا من يكون صوتك عيده
القرّاء أحرار بما يقرأون... والكاتب مكبّل بما يكتب
«بعيدًا عن الموضوع لديّ سؤال متى تصدرين كتابًا جديدًا؟ فأنا من العراق ونحن العراقيّين لا ندري متى يخطف الموت أرواحنا. أتمنّى أن أقرأ جديدك قبل أن يخطفني الموت. تحيّاتي». (محمد سالم)
بعض القرّاء يخبّئون لغدهم كتبًا، وكما يزداد الأثرياء جمعًا للمال وكأنّهم خالدون أبدًا، يزداد القرّاء جشعًا للقراءة وكأنّهم سيعيشون أبدًا. وحده الكاتب يكتب بذعر مَن قد يموت غدًا.
«الحقيقة عابرة سبيل ولا شيء يمكن أن يعترض سبيلها».
الفراق نصّ يكتبه اثنان.
سحقًا للغيرة... لكأنّها توأم الحبّ، إنّها تولد معه، لكنّها تموت طويلًا بعده.
ذلك أنّ إكسير الشباب، لا يفوز به غير العشّاق...
لا أكرم من الحبّ. تعطيه دقيقة من وقتك يعطيك 24 ساعة من السعادة.
نحن الذين نسمح للماضي بإمساكنا كرهائن.
لا نبل للذكريات.
ولكانت عودتك هي «الخبر العاجل»
احذري الهزّات الارتدادية لزلزال الفراق، فقد يدمّر ما بنيته ولا يبقي لك من بيت.
البحر عنصريّ، لا يحبّ غير الكائنات البحريّة، لذا منذ الأزل يسعى لإغراق المراكب، كي يقدّمها قصورًا للحيتان.
فتحت الرسالة التالية وقد ازددت فضولًا، وإذا بها رسالة من جملتين، فقط جملتين.. لعلها النهاية، فالحبّ يولد ثرثارًا ثمّ يُصاب في النهاية بالخرس.
لن تكون لنا مواعيد، ولا أماكن مسكونة بالحنين نتحاشاها. ولا مكالمات علقت نبرة كلماتها في تلابيب الروح، نشقى بتذكّرها. لا صوت سنحزن لاحقًا لعدم سماعه، ولا توقيت سينبّهنا بأنّ الهاتف لم يدقّ على الوقت.
في كلّ محاولة للنسيان تحرّشًا بالذاكرة.
لم يدر الإنسان أين يواري جثمان الذاكرة، فاخترع القصائد والقصص والروايات لتكون مقبرة للكلمات.. ثمّ وقع في كمينها.
«لم يحدث أن التقينا كما مذ باعد بيننا الفراق... ليتك جئت لنفترق أخيرًا».
لا.. لن ألتقيه. المسافة كالكرامة، تجعل كلّ شيء ثمينًا إلى أقصى حدود الخسارة.
أغدَت قطتي مرشدتي؟ هي التي تقع سبع مرّات وتنهض واقفة، وأنا التي كتبت كثيرًا لأسند من خِفت عليهنّ من السقوط حتى وقعت!