Kindle Notes & Highlights
Read between
August 14 - August 26, 2022
لا مروءةَ لمن لا دين له. العاقل لا يرى لنفسه ثمنا إلّا الجنة.
فالعاقلُ لا يغتبط بصفة يفوقه فيها سبعٌ أو بهيمة، أو جماد، وإنَّما يغتبط بتقدُّمه فى الفضيلة التى أبانه الله تعالى بها عن السباع والبهائم والجمادات، وهى التمييز الذى يشارك فيه الملائكة.
قَوِىَ تمييزه، واتسع علمُه، وحَسُنَ عملهُ، فليغتبط بذلك، فإنّه لا يتقدمه فى هذه الوجوه إلَّا الملائكةُ وخيار الناس.
إذا نام المرءُ خرج عن الدنيا، ونسى كلَّ سرور، وكلَّ حُزْنٍ، فلو رتَّبَ نفسه فى يقظته على ذلك أيضا لسعد السعادة التامة.
من أساء إلى أهله وجيرانه فهو أسقطهم، ومن كافأ مَن أساء إليه منهم فهو مثلهم، ومن لم يكافئهم بإساءتهم فهو سيدهم، وخيرهم، وأفضلهم.
إيَّاكَ وأنْ تسرَّ غيَركَ بما تسوء به نفسَكَ، فيما لم توجِبْهُ عليك شريعةٌ أو فضيلة.
لا تفكَّرْ فيمن يؤذيك، فإنّك إنْ كنتَ مقبلا فهو هالك وسعدُك يكفيك، وإنْ كنتَ مدبرًا فكلّ أحدٍ يؤذيك.
وأَنَّ نَظَرَ المرءِ في أمْر نفسه، والتهمُّم بإصلاحها أوْلى به مِن تتبّع عَثرات الناس،
ووجدتُ أفضلَ نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحُبِّه، وعلى الحق وإيثاره، فما إستعنتُ على قَمْعِ هذه الطوالع الفاسدة، وعلى كل خير فى الدين والدنيا إلاَّ بما فى قوتى من ذلك، ولا حول ولا قوة إلا باللّه تعالى.
لا يخلو مخلوقٌ من عيب، فالسعيدُ من قَّلتْ عيوبه ودقَّتْ. أكْتَرُ ما يكون ما لم يُظَن، فالحزم هو التأهُّب لما يُظَن، فسبحان مَن رتَّبَ ذلك لُيرِىَ الإنسان عجزَه وافتقاره إلى خالقه عزّ وجلّ.
أنْ تكتم سرَّ كلّ مَن وثق بك، وأنْ لا تُفشى إلى أحد من إخوانك، ولا مِن غيرهم، مِن سرِّك ما يمكنك طيَّه بوجه ما من الوجوه، وإنْ كان أخص الناس بك، وأن تفى لجميع من ائتمنك، ولاتأمن أحدًا على شىءٍ من أمرك تُشفِق عليه، إلاّ لضرورة لابد منها، فارتَدْ حينئذ واجتهد، وعلى الله تعالى الكفاية.
وعامِلْ كلَّ أحد فى الإنس أحسن معاملة، وأضمرْ السلوَّ عنه إنْ فات ببعض الآفات التى تأتى مع مرور الأيام والليالى، تَعِشْ سالمًا مستريحا.
حدُّ الصداقة الذى يدور على طرفى محدوده هو: أن يكون المرء يسوءه ما يسوء الاَخر، ويسرّه ما يسرّه، فما سفل عن هذا فليس صديقا، ومن حمل هذه الصفة فهو صديق، وقد يكون المرءُ صديقًاً لمن ليس صديقه. وأما الذى يدخل فى باب الإضافة فهو المصادق، فهذا يقتضى فعلا من فاعلين، إذ قد يحبُّ الإنسان مَن يُبْغضه، وأكثر ذلك فى الاَباء مع الأبناء، وفى الإخوة مع إخْوتهم، وبين الأزواج، وفيمن صارت محبَّته عشقا، وليس كلُّ صديق ناصحًا، لكن كلُّ ناصحٍ صديقٌ فيما نصح فيه.
النصيحة مرتان: فالأولى فرضٌ وديانة، والثانية تنبيهٌ وتذكير، وأما الثالثة فتوبيخٌ وتقريع، وليس ورإء ذلك إلاّ التركُّل واللطام[72]، وربّماً أرشدُ من ذلك من البغى والأذى، اللهم إلاّ فى معانى الديانة، فواجب على المرء تَزْدَادُ النصح فيها، رَضِىَ المنصوحُ أو سخط، تأذَّى الناصح بذلك أو لم يتأذّ.
وإذا نصحت فانصح سرًّا لا جهرا، وبتعريض لا تصريح، إلاَّ أنْ لا يفهم المنصوح تعريضك فلابّد من التصريح. ولا تنصح على شَرْط القبول منك.
مسامحةُ أهلِ الاستئثار والاستغنام، والتغافل لهم، ليس مروءةً ولا فضيلة، بل هو مهانة وضعف وتضرية[73] لهم على التمادى على ذلك الخلق المذموم، وتغبيطٌ[74] لهم به، وعونٌ لهم على ذلك الفعل السوء، وإنما تكون المسامحة مروءة لأهل الإنصاف المبادرين إلى الإنصاف والإيثار، فهؤلاء فرض على أهل الفضل أنْ يعاملوهم بمثل ذلك، لاسيما إن كانت حاجتهم أمسّ، وضرورتهم أشدّ.
من أردْتَ قضاء حاجته بعد أن سألك إيّاها، أو أردت إبتداءه بقضائها، فلا تعمل له إلاّ ما يريد هو، لا ما تريد أنت، وإلا فأمسك، فإنْ تعدّيتَ هذا كنت مسيئًا لا محسنا، ومستحقًا للّوم منه ومن غيره لا للشكر، ومقتضيا للعداوة لا للصداقة.
مَن سمع قائلا يقول فى امرأة صديقه قول سوء فلا يخبره بذلك أصلا، لا سيمّا إذا كان القائل عيّابة، وقّاعًاً فى الناس، سليط اللسان، أو دَافِعُ معَّرةٍ عن نفسه، يريد أن يكثر أمثالُه فى الناس، وهذا كثير موجود.
الناس فى أخلاقهم على سبع مراتب: فطائفة تمدح فى الوجه، وتذم فى المغيب، وهذه صفة أهل النفاق من العيّابين، وهذا خُلُقٌ فاشٍ فى الناس، غالبٌ عليهم. وطائفة تذمّ فى المشهد والمغيب، وهذه صفة أهل السلاطة[79] والوقاحة من العيّابين. وطائفة تمدح فى الوجه والغيب، وهذه صفة أهل الملق والطمع. وطائفة تذم فى المشهد، وتمدح فى المغيب، وهذه صفة أهل السخف والنواكة[80]. وأمّا أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم فى المشاهدة، ويثنون بالخير فى المغيب، أو يمسكون عن الذم.
وأمّا العيّابون البرآءُ من النفاق والقحة[81] فيمسكون فى المشهد، ويذمون فى المغيب. وأمّا أهل السلامة فيمسكون عن المدح وعن الذم فى المشهد والمغيب. ومِن كلٍّ مِن أهل هذه الصفاًت قد شاهدنا وبلونا.
دَرْجُ المحبة خمسة: أولها الاستحسان، وهو أن يتمثّل الناظُر صورةَ المنظور إليه حسنةً، أو يستحسن أخلاقه، وهذا يدخل فى باب التصادق. ثم الإعجاب به، وهو رغبة الناظر فى المنظور إليه، وفى قربه. ثم الأُلْفَة، وهى الوحشة إليه إذا غاب. ثم الكَلَفُ، وعو غَلَبة شَغْل البال به، وهذا النوع يسمى باب الغزل بالعشق. ثم الشّغَف، وهو امتناع النوم، والأكل، والشرب، إلاّ اليسير من ذلك، وربّما أدى ذلك إلى المرض، أو إلى التوسْوُس، أو إلى الموت، وليس وراء هذا منزلة فى تناهى المحبة أصلا
رأيتُ الناسَ فى كلامهم الذى هو فَصْل بينهم وبين الحمير والكلاب والحشرات ينقسمون أقساما ثلاثة: أحدهما مَن لا يبالى فيما أنفق كلامه، فيتكلم بكل ما سبق إلى لسانه، غير مُحَقِّق نَصْر حق، ولا إنكار باطل، وهذا هو الأغلب فى الناس . والثانى أنْ يتكلم ناصرًا لما وقع فى نفسه أنّه حق، ودافعًا لِمَا توهمَ أنَّه باطل، غير مُحَقِّقٍ لطلب الحقيقة، لكن لجاجًا فيما التزم، وهذا كثير، وهو دون الأول . والثالث واضعُ الكلام فى موضعه، وهذا أعزُّ من الكبريت الأحمر[101].
فإنْ اعجبْتَ بعقلك ففكِّرْ فى كلّ فكرة سوءٍ تحلُّ بخاطرك، وفى أضاليل الأمانى الطائفة بك، فإنّك تَعْلَمُ نَقْصَ عقلك حينئذ. وإن اعجبتَ بآرائك فتفكرْ فى سقطاتك واحفظها، ولا تنسها، وفى كلّ رأْىٍ قدَّرتَه صوابا، فخرج بخلاف تقديرك، وأصاب غيرك، وأخطأت أنتَ، فإنّك إنْ فعلتَ ذلك فأقلُّ أحوالكَ أن يُوازَن سقوط رأيك بصوابه، فتخرج لا لكَ ولا عليك، والأغلبُ أنّ خطأك أكثر من صوابك، وهكذا كلّ أحدٍ من الناس بعد النبيين، صلوات الله عليهم.
واعلم أن كثيرًا من أهل الحرص على العِلْم يجدّونِ فى القراءة، والإكباب على الدروس والطلب، ثم لا يرزقون منه حظَّا، فليعلمْ ذو العلم أنّه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه، فصحّ أنّه موْهبة من الله تعالى، فأىّ مكانِ للعُجْب ها هنا، ما هذا إلاّ موضع تواضعٍ وشُكْر لله تعالى، واستزادة من نعمه، واستعاذة من سَلْبِها.
وإنْ أُعجبتَ بمالك فهذه أسْوء مراتب العُجْب، فانظرْ فى كل ساقط خسيس هو أغنى منك، فلا تغتبط بحالة يفوقك فيها مَن ذكرتُ. واعلم أَنّ عُجْبك بالمال حمق، لأنه أحجار لا تنتفع بها إلاّ أن تخرجها عن ملكك بنفقتها فى وجهها فقط، والمال أيضا غادٍ ورائحٌ، وربما زال عنك، ورأيته بعينه فى يد غيرك، ولعل ذلك يكون فى يد عدوّك، فالعجب بمثل هذا سخف، والثقة به غرور وضعف.
أشدُّ الأشياء على الناس الخوفُ والهمُّ والمرض والفقر، وأشدُّها كلها إيلاما للنفس الهمُّ، للفَقْدِ من المحبوب، وتوقُّع المكروه، ثم المرض، ثم الخوف، ثم الفقر.
إما أنْ تسكتَ سكوتَ الجهّالِ فتحصل على أجْر النيّة في المشاهدة، وعلى الثناء عليك بقلة الفضول، وعلى كرم المجالسة، ومودَّة مَن تجالس.

