More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
الكلام مزيج من الصدق والكذب. أمّا السكوت فصدق لا غشّ فيه. لذاك سكتُّ والنّاس يتكلّمون.
من طبيعة الإنسان إنكار ما يجهل. فعلامَ لا ينكر نفسه؟ ومِـن جهل الإنسان أنّـه يسعى إلى المعرفة بحواسّـه الخارجيّـة لا غير. وحواسه الخارجيّـة لا تتعدّى ظواهر الأمور. وهي محصورة ومحدودة. فكلّ ما تتناوله محصور ومحدود. وهي خدّاعة. فكلّ ما تحسّه خِـداع. أمّـا الحواس التي لا تستند إلى عينين وأذنين ويدين ومنخرين ولسان فهي في عرف الناس أوهام وأضغاث أحلام. ولو قلت لأحدهم إنّ له عينًا باطنيّـة، وأذنًا ليست من لحم ودم، وإنّـه بالتأمّـل والسكوت يبصر ما لا تبصره العين ويسمع ما لا تسمعه الأذن – لو قلت له ذلك لرماك بالطيش والجنون. وكيف لمن يبصر ما لا يبصره النّـاس ويسمع ما لا يسمعونه إلّا أن يكون مجنونًا في
...more
من سيّـئات الحرب أنّـها تُجلس البطولة الزائفة على عرش البطولة الحقّـة. فتدعو الذي يقهر أخاه الإنسان «بطلًا» وتبالغ في تمجيده وتكريمه. والذي يقاهر نفسه ليحسن معاملة أخيه الإنسان تدعوه «جبانًا» وتنبذه نبذ النواة.
لله ما أسرع النّاس في خلق أسباب الشقاق، وما أبطأهم في خلق أسباب الوفاق! وهل من شيء في عالم النّـاس لم يكن يومًا من الأيّام مدعاة للخصام بين اثنين أو أكثر؟ ولعلّ أغرب ما في شؤون النّـاس ادّعاؤهم أنّـهم يختصمون على «الحقّ». ومتى يدرك النّـاس أن الحقّ ينفر من كلّ خصام، وأنّهم ما اختصموا يومًا من الأيّام إلّا على الباطل؟
ما من مصيبة إلّا الجهل. فالمصيبة تثقل على قدر جهلنا مصدرها ومعناها. وتخفُّ على قدر فهمنا معناها ومصدرها.
الزائل لا يدوم. والدائم لا يزول. فما هو الدائم في كون كلّـه للزوال؟ إنّـه الزوال بعينه. أنقول إنّ الحياة زوال؟ بل هي ديمومة الزوال. هي القدرة التي تُزيل ولا تزول. فليعلم المعتركون.
يساورني اليوم شعور ما أذكر أن عرفته من قبل. ولعلّـه الحزن. فكأنّ قلبي غير قلبي، ودمي غير دمي، وحركاتي وأنفاسي غير حركاتي وأنفاسي، ففي كلّها انكماش وارتعاش وفتور. وكأنّ الأذن ملّـت السماع، والعين ملّـت البصر. أو كأنّهما تخشيان أن تسمع الواحدة وتبصر الأخرى غير ما تشتهيان، بل عكس ما تشتهيان.
ثمّ هنالك ما يشبه الأسف. ولكن على ماذا؟ لا أدري. وما يشبه القلق أو الخوف. ولكن مِمّاذا؟ لا أدري. لكأنّ بعضي يزحل عن بعضي، وكلّ ما يتّصل بي من قريب أو بعيد قد تقنّـع بقناع من شفق حارَ بين النور والظلمة. وهذا القلم يجري بين أناملي الآن هو قلم حائر لا نار فيه ولا إرادة له. لقد نبّـهني الحزن هذا إلى نقيضه الفرح. وأنا ما أذكر أنّـني فرحت يومًا كما يفرح النّـاس. أتراني كنت حتّى اليوم فوق الحزن والفرح، أو دون ذاك وهذا؟ فماذا دهاني اليوم؟