«ما ذاك فكري.» لكَم يؤلمني كلّـما سمعت أحدًا يتكلّم باجتهاد وحدّة وإخلاص ثمّ يعود فيقول لسامعه أو سامعيه: «ما ذاك فكري». ولو أُحيل الأمر إليّ لوضعتُ في آخر كلّ كتاب سطّرته يد بشريّـة، ونقشتُ على كلّ تمثال نحته مثّـال، وصورة مدّ خطوطها مصوّر، وخطاب فاه به خطيب، وقصيدة نظمها شاعر، ومقال حبّره كاتب، وعبارة نطق بها ناطق، هذه الكلمات الثلاث: «ما ذاك فكري». ولماذا؟ لأنّ بيان الناس من أيّ نوع كان، ومهما بلغ من الدقّـة والرقّـة، ما يزال أضيق من أن يتّسع لجميع مشاعرهم وأفكارهم. فهم أطفال يلثغون. وأنا وإن كنت أكتب هذه المذكّرات لنفسي لا للنّاس، سأضع في آخرها: «ما ذاك فكري».