More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
كل الذين يرغبون في تغيير النظام القائم، كل الذين يثورون على الفساد وتعسف النظام الحاكم والفروق الاجتماعية والبطالة وانسداد الأفق، كل الذين لا ينجحون في إيجاد موقع لهم في عالم سريع التحوُّل، ينجذبون إلى الحركة الإسلامية، فيشبعون في إطارها على السواء حاجتهم إلى الهوية، وحاجتهم إلى الاندماج في مجموعة، وحاجتهم الروحية، وأحياناً حاجتهم فقط إلى استقراء الحقائق الشديدة التعقيد، وحاجتهم إلى التحرك والتمرد.
ويبرز هنا في الواقع تطلعان عميقان كلاهما طبيعيان ومشروعان بدرجات متفاوتة، يبدو لي من التعسف الخلط بينهما: من جهة، التطلع نحو رؤية إلى العالم تتجاوز وجودنا وآلامنا وخيباتنا، وتضفي مغزى، وإن كان واهياً، على الحياة والموت؛ ومن جهة أخرى، الحاجة التي يشعر بها كل إنسان إلى الانتساب إلى جماعة تقبله وتعترف به ويحظى داخلها بالتفهم الكامل.
إننا جميعاً أقرب بكثير حُكْماً من معاصرينا مما نحن عليه من أسلافنا. فهل أبالغ إذا قلت إنني أملك قواسم مشتركة مع عابر سبيل أختاره عشوائياً في أحد شوارع براغ أو سيول أو سان فرانسيسكو أكثر مما أملك مع والد جدي؟ ليس في الهيئة والزي والمشية فحسب، وليس كذلك بأسلوب العيش والعمل والمسكن والأدوات التي تحيط بنا، بل بالمفاهيم الأخلاقية والعادات الفكرية.
وخلاصة القول إن كلاً منا مؤتمن على إرثين: الأول «عمودي» يأتيه من أسلافه وتقاليد شعوبه وطائفته الدينية، والثاني «أفقي» يأتيه من عصره ومعاصريه.
فمن جهة، هناك ما نحن عليه في الواقع، وما نصبحه تحت تأثير العولمة الثقافية، أي كائنات
بالتأكيد على وجود هوة بين ما نحن وما نعتقد أننا نكون.
وفي الواقع، إذا كنا نؤكد بكل هذا الغضب اختلافاتنا، فذلك لأننا بالضبط أقل وأقل اختلافاً، لأن كل يوم يمر يقلص شيئاً فشيئاً اختلافاتنا ويزيد أوجه الشبه بيننا بالرغم من نزاعاتنا وعداواتنا الأزلية.
ويقوم على الفكرة القائلة إن التمازج الراهن، وبدلاً من أن يؤدي إلى اغتناء فريد وتعدد أساليب التعبير وتنوع الآراء، يقود، على العكس، وبصورة لا تخلو من المفارقة، إلى الإفقار. وهكذا، سوف يفضي تنوع الأساليب التعبيرية الموسيقية الجامحة في نهاية المطاف إلى شكل من الموسيقى تشوبها الغثاثة والتكلف؛ وهكذا، لن يولِّد اختلاط الأفكار الفريد سوى الرأي الإجماعي والتبسيطي وأكثر القواسم الفكرية المشتركة ضحالةً، بحيث أن الجميع، باستثناء قلة من المتميزين، سوف يقرأون الروايات المنمَّطة نفسها، ويصغون إلى الألحان المبهمة التي تلفظ بالأطنان، ويشاهدون
فنحن نتصور أحياناً أننا سوف نسمع كماً هائلاً من الآراء المختلفة بوجود كل هذه الصحف والإذاعات والمحطات التلفزيونية؛ ثم نكتشف، على العكس، أن قوة هذه الأبواق إنما تضخم الرأي المهيمن الراهن، وتغطي على أي صوت آخر. والواقع أن تدفق الصور والكلمات لا يقوم دوماً بتحفيز الحس
ففي هذه الحالة، ليس التجانس من خلال التفاهة موضع النقد بل التجانس من خلال الهيمنة، وهذا أكثر أنواع القلق انتشاراً والسبب في الكثير من النزاعات الدموية بالإضافة إلى القلاقل العديدة.
Nourhan Elkafrawy liked this