‫ماذا علمتني الحياة‬

by جلال أمين

نسخة من الامتحان فى خزانة حديدية فى حجرة العميد، ولا يسلمها العميد للطباعة إلا فجر يوم الامتحان؛ فيجلس الأستاذ إلى جانب الكاتب على الآلة الكاتبة لطبع الامتحان قبل موعد الامتحان بساعات قليلة، وتحاط الحجرة التى تجرى فيها الطباعة بحراسة مشددة، خوفا من تسرب الأسئلة إلى أيدى الطلاب قبل بداية الامتحان. والامتحان نفسه يجرى فى خيمة كبيرة تتسع للآلاف المؤلفة من الطلاب، يراقبهم مدرسون منتدبون من بعض المدارس الثانوية ويحصلون مقابل هذا على جنيه أو جنيهين يضافان إلى مرتباتهم الزهيدة.

قبل موسم الغش بسنين هههههه

فالجو حار، والأرض متربة، والكراسى التى يمكن لهم الجلوس عليها قليلة وخطرة، إذ لم تدق فيها المسامير بالحرص الكافى، فأصبح الجالس عليها مهددا بخطر تمزيق ملابسه. والطلبة شديدو الجرأة ومستميتون فى محاولة الغش بهدف النجاح بأقل جهد يذكر. فهم يتفننون فى مغافلة المراقبين، ومراقبى المراقبين، فلا ينظر أحد المراقبين يسارا إلا ويشرع الطلبة الجالسون فى ناحية اليمين فى تبادل المعلومات بسرعة، وغالبيتهم يعتقدون أن الامتناع عن مساعدة زميل جاهل يتنافى مع مبادئ الشهامة والمروءة.

الغش رغم الجهود !!

فالراحة المفرطة وخلوّ حياتك من أى إثارة أو أى قلق من أى نوع، ورتابة الحياة وخلوها من أى حادث مهم تتطلع إلى حدوثه أو تخشى وقوعه، أو بعبارة أخرى، خلو الحياة اليومية من أى شىء يمكن أن يزيد من قوة اندفاع الدم فى عروقك أو يسبب لك بعض الإثارة، سواء كانت إثارة محبوبة أو مكروهة، يضعف ميلك إلى اتخاذ قرار بالجلوس للقراءة أو الاستماع إلى موسيقى.

فى كتاب «حياتى» وصف أبى البيت الذى نشأ فيه بقوله إنك إذا فتحت بابه «شممت منه رائحة الدين ساطعة زاكية». أما أنا فلا أستطيع بالمرة أن أقول إن هذا الوصف ينطبق على البيت الذى نشأت فيه. فأبى على الرغم من نشأته هذه، وشدة تدين أبيه وأمه، ونوع التعليم الذى تلقاه فى صباه وشبابه، ورغم أن أهم كتاباته كانت تدور حول الإسلام، لم يكن متدينا بمعظم المعانى الشائعة اليوم. إنى لا أتذكر مثلا أنى رأيت أبى وهو يصلّى، ولا أذكر أنى رأيته وهو يقرأ فى المصحف. إنى أتذكر اعتذاره عن الصوم بسبب مرض أو آخر كان يفرض عليه نظاما معينا فى الأكل، أو بسبب التدخين، ولكنى لا أتذكره وهو ينتظر حلول المغرب ليتناول إفطاره فى رمضان.

فلا زال موضوع الجنس يُعتمد عليه فى جذب الجمهور إلى الفيلم الجديد والمسرحية الجديدة والسلع الجديدة، ولازالت الصور الجنسية تعتمد عليها الصحف والمجلات لزيادة التوزيع وكسب قراء جدد. ولازال مصممو الأزياء يتفننون كل عام، ويتنافسون فيما بينهم فى استغلال نفس الدافع ونفس الميول لترويج أزيائهم الجديدة.. إلخ.

ما أشبه الأمس باليوم !