الإتقان‬

by Robert Greene

إن ما يمنع الأشخاص من التعلُّم –حتى لوكان شيئًا صعبًا مثل لغة البيراها–ليس موضوع الدراسة نفسه (يتمتع العقل البشري بقدرات غير محدودة)، بل صعوبات التعلُّم التي تميل إلى التفاقم والتضخم في أذهاننا كلما تقدَّمنا في السن. من بين هذه الصعوبات الإحساس بالغرور والاستعلاء في كل مرة نواجه فيها شيئًا غريبًا عن طرائقنا، ومنها أيضًا الأفكار الجامدة عمَّا نراه حقيقيًّا أو صحيحًا، وغالبًا ما نُلَقَّن هذه الأفكار في المدرسة أو في الأسرة. إن شعورنا بمعرفة شيء ما يعني أن عقولنا تغلق الباب على الاحتمالات الأُخرى، وأنه لا يتراءى لنا سوى الحقيقة التي افترضناها سابقًا. تتولَّد مشاعر التفوق والاستعلاء هذه غالبًا من غير وعي، وتنبع من الخوف مما هو مختلف أو غير معروف. ونحن قلَّما ندرك ذلك، وفي معظم الأحوال نتخيَّل أنفسنا أننا قدوة في النزاهة والحياد. أمَّا الأطفال فهم بريئون من هذه العوائق عمومًا؛ لأنهم يعتمدون على الكبار من أجل البقاء، ويشعرون –بطبيعة الحال– بالنقص، وهذا الشعور بالنقص هو الذي يمنحهم الرغبة في التعلُّم. وبالتعلُّم يمكنهم سدُّ الفجوة شيئًا فشيئًا حتى لا يبقى لديهم شعور بالعجز، يضاف إلى ذلك أن عقول الأطفال مفتوحة تمامًا، ومستوى انتباههم أكبر. ولهذا السبب يكونون أسرع تعلُّمًا وأعمق فهمًا. ونحن البشر –خلافًا لبقية الحيوانات – نستبقي بعضًا من خصائص مرحلة الطفولة، ونحتفظ بها إلى ما بعد مرحلة البلوغ والنضج، وتظل لدينا قدرة استثنائية على العودة إلى روح الطفولة، ولا سيما في اللحظات التي تُحتِّم علينا أن نتعلَّم شيئًا، ويمكننا العودة إلى هذا الشعور بالفضول والتعجب، وهو ما يعيد إحياء شبابنا وحُب التعلُّم والتلمذة.