Kindle Notes & Highlights
لكل
حق
ويهدد بالفرم كل من يعترض طريقه. في ظله الكثيف حورب الوطنيون والشرفاء في كل مكان بدعوي الشيوعية تارة والتطرف الديني تارة أخرى. كل الأكفاء رحلوا عن البلاد يلتمسون الرزق والحرية في بلاد لا تعرف شيئا عن الحرية. أصبحت الوطنية قرينا للسجن، والخيانة الهازلة قرينة للثراء، والشرف قرينا للفقر والذل والإنسحاق. عاد عصر الباشوات بكل حذافيره. إصطلحت الحكومة مع إسرائيل؛
صرنا نتمشى في صحن الدار نستطلع ما طرأ على ذكريات طفولتنا من تغيير أو تحولات، وما بات يهددها من اقتحامات مجهولة. وكنت أشعر بأني مهان حتى النخاع كأني مضروب على أم رأسي بصرمة قديمة؛ وكان أخي عبد الرشيد يعلق على شفتيه ابتسامة شاحبة لم أجد لها تفسيرًا سوى أنها تنطق بمعني وحيد: ضربوا الأعور على عينه قال: خسرانه خسرانه! وكان يقول إنه يشعر كأن أشياءً كثيرة ها هنا تغيرت؛ وكنت أرى أن كل شيء باقٍ على ما كان عليه منذ طفولتنا لكن التغيير ربما كان فينا نحن..
لما رأى الدهشة المذعورة في عيني قال وهو يضغط بأصبعيه على سمانة ذراعي في قرصة موجعة إنه الآن قد بات مقتنعًا بأن كل شيء في مصر بالذات لم يعد آمنًا في ظل هذا الصراع الدموي الرهيب: -
«يقولون إن مصر لا تنفع فيها حرب أهلية كلبنان؟! الواقع أن الحرب الأهلية في مصر لا مثيل لها في التاريخ! حرب بلا بارود ولا أسلحة تقليدية!! كله ضرب تحت الحزام! هذه الفوضى الاقتصادية وهذه الانهيارات الخلقية هي الأسلحة التي ستنتشر بصورة مفزعة! لا تأمل في أي ثورة أو أي إصلاح لأن حجم المستفيدين من الفساد رهيب! ومن يقع عليهم الظلم قد فقدوا الإحساس حتى بالظلم!
« أتذكر المثل الذي كانت جدتك تردده باستمرار: يا سايب بدك حزينة هتلاقي الفرح عند مين؟! إن العرب جميعًا وليس الفلسطينين وحدهم يعاملون المصريين أسوأ معاملة لأن المصريين بكل صراحة أرادوا لأنفسهم ذلك!! في نظر العرب أن هذه هي المعاملة التي يستحقها المصريون لأن العرب يعرفون أن المصريين خرجوا من ديارهم مطرودين مستذلين مهانين!!

