More on this book
Kindle Notes & Highlights
أعرف تشاورهم وأمقته. أعرف حروبهم كيف تبدأ وكيف تنتهي. وفي شبابي كاد ذلك يدفعني إلى الجنون. فلماذا عدت إليهم؟ صرت عجوزًا وأرهقني التجوال والوحدة. ولكن ليس بقدر ما يرهقني الآن القرب منهم والعيش معهم.
ولكن من أنا لأحدد للقدر من يصيبه ومن يعفيه؟
لعلي كنت أشتاق بالفعل أن يحل بي الجنون. فوسط هذه النشوة كنت أنسى أرسطو وأذكر أمي التي علمتني أن أحدًا لا يدخل مملكة الأسرار القدسية إلا في غمار نشوة تهتك المألوف لتلج إلى المجهول.
أيهما الأصلح لحياة الإنسان على الأرض: البهجة أو الخوف؟ أيهما أدعى للاستقامة والخير؟ ولم أصل في أعماقي إلى جواب. لكني حاولت فرض الجواب.
ولكن هل كنت أنا أصدق ذلك؟ نعم. إسكندر صدق وإسكندر أنكر. وأملت في معجزة على يد آمون تجعل الاثنين واحدًا.
تعلمت أن الشجاعة ليست غريزة. بل هي بالضبط قهر الخوف القابع في كل نفس،
وسأسأل هذا السؤال كثيرًا فيما بعد: لماذا أفعل الشيء ونقيضه؟
حلمت أن أملأ الأرض بنسل جديد من سلالة الأوروبيين والآسيويات فلا تكون بينهم بعد ذلك ضغينة ولا حروب. أراد الإسكندر أن يحقق ما عجز عنه غيره من الآلهة ـ أن يخلق عالمًا لا يكون فيه أشقر وأسمر. ولا فرق فيه بين من يعبد زيوس أو نار الفرس أو آلهة الهند.
وتساءل إسكندر: هل كان لا بد من أجل هذا الحلم أن أخوض بحرًا من الدماء. دماء المهزومين ودماء جنودي؟
ولكني أفكر الآن: حتى ولو لم أغفر له فلماذا ألومه؟ كل إنسان أيامها كان يبحث عما ينقذ به نفسه من السجن أو الطرد من العمل.
خائن لكنه واضح مع نفسه. كذب عني ولكنه لم يكذب على نفسه.
يوجد شيء هنا يغير الإنسان. في هذه الواحة المعزولة في جوف الصحراء السحيق. شيء يغيرنا.
هذه هي حكاية جنوني يا مليكة التي يتجنبون أن يحكوها. أعرف أني أخطأت يا ابنتي لكن صدقي أني أحببت قومي حتى تمنيت لهم الفناء ليعيش من يعيش في سلام.
ربما تقصد الحكاية أن ما نراه قد لا يكون هو الحقيقة، قد يخفي سطح الماء الرائق حياة لا نعرفها وقد تغيب عنا الحقيقة تحت أي سطح. هل هذا هو المعنى؟
المشكلة هي أنت بالضبط يا حضرة الصاغ! لا ينفع في هذه الدنيا أن تكون نصف طيب ونصف شرير.
نصف وطني ونصف خائن، نصف شجاع ونصف جبان. نصف مؤمن ونصف عاشق.
دائمًا في منتصف شيء ما. لم أقتل مليكة بيدي لكني تركتها للقتل، أردت أن أنقذ محمود الصغير لكن في منتصف المحاولة تركت إبراهيم تُكسر ساقه. تحمست فترة للوطن...
This highlight has been truncated due to consecutive passage length restrictions.
باع نفسه وقبض الثمن الذي يريده. أما أنا فبعت بلا ثمن وبقيت قانعًا بالسخط على نفسي وعلى الإنجليز وعلى الدنيا كلها دون أن أعرف ماذا أريد. حتى الحب اكتفيت منه دائمًا بالمتعة ثم وقفت لا أكمل الطريق.
ظل مثبتا نظره على وجهي لفترة وقال: إن لم يسامح الإنسان نفسه فكيف يطلب من الناس أن تسامحه؟
بالطبع! يوحدهما عبيدا في إمبراطوريته! هل سمعت عن أي إمبراطورية لا تعلن أهدافا نبيلة؟ ألا تقول إنجلترا الآن إن رسالة إمبراطوريتها هي نشر الحضارة والتمدن في العالم؟ تعالي انظري إلى هذه الحضارة المعجونة بالدم من أيرلندا إلى مصر إلى الهند إلى ما لا أدري أين!
نفذت وصيته ولكن أين أجد السعادة وسكينة النفس؟
هي أحب إنسانة إلى قلبي، لكني حسدتها دائمًا على ذلك كله، ولعلي مازلت حتى الآن أغار منها.
قصيرة جدًّا هي الحياة مثلما فهم الإسكندر وعلى من يستطيع أن يخلف فيها أثرا ألا يتردد أو يتلكأ.

