‫موت صغير‬

by محمد حسن علوان

قضاء الله لا يردّ على أحد، وكلكم يقضي ديون طفولته في رشده. فمن ضاق صدره دون سبب وشعر بالألم دون داعٍ فليعلم أنه دَينٌ نسيه هو... ولا ينساه الديّان.

– حار أرباب الهوى... في الهوى وارتبكوا هزت نظام رأسها تعجباً ثم أمالت رأسها قليلاً ونظرت إليّ وبادرتني بسؤال: – عجباً! أنت عارف زمانك وتقول هذا؟ – وماذا فيه؟ – فيه أنك تشكو من الحيرة بعد الهوى، والهوى يُخدِّر الحواس ويُذهب العقول. فبعد حصول ذلك كله، ماذا تبقّى لتحتار بشأنه؟ – صدقتِ والله، صدقتِ! ثم أخفضت صوتها قليلاً حتى صار أقرب للهمس. ودنت مني حتى شعرت بأنفاسها وهي تتكلم وقالت: – ثم ألا تعلم أن المحبّ يفنى في محبوبه فيصبح لسانه لسانه وقلبه قلبه؟ – بلى. – كيف يحتار قلبك وقد صار هو قلب محبوبك؟

”الحب موتٌ صغير“ ابن عربي

إن لرضا الله عليك شعوراً لا يمكن أن يوصف. دثارٌ دافئ يحيط بقلبك في ليلة برد، أو وميضٌ من الضوء يسافر في عروقك،

لأن الأحلام يا أخي إذا تأخرت في صدرك تفسد، وإذا باتت في نفسك سنة بعد سنة تشوبها الشوائب وتتراكم فوقها أتربة من الأنانية والحسد والملل واليأس. رضا الله يخلقك مرةً أخرى بقلبٍ جديد وأحلامٍ نظيفة.

حبي لكِ أقدم مني ومنكِ. قدرٌ كتبُ قبلنا وسيبقى بعدنا. لم يبدأ صغيراً فكبر، ولا هو ينقص بعد تمام. خلق تاماً وحلّ في قلبي مثل الفطرة.

”مقدار كل امرئٍ حديث قلبه“ ابن عربي

تعرّفت رفيقاً ذميماً اسمه القلق. لم أسأله مرافقتي ولم يستأذني في ذلك. قفز فوق كتفيّ مثل قردٍ مجنون ولم يفارقني بعدها قط. كلما طردته من كتف قفز إلى الآخر. وكلما طردته منهما معاً تعلّق بجذع شجرة بعض الوقت ثم لا يلبث أن ينقضّ على رقبتي مرةً أخرى. لم يتركني أهجع ليلةً حتى يجعل صباحها قاتماً مثل قرارة بئر. ولم أتنفس طمأنينة الصباح حتى يجعل الغروب يأتي مثل وحشٍ سيتغذى عليّ طيلة الليل. ضاقت في عيني الدنيا حتى لم أعد أرى شيئاً في حجمه الحقيقي. كل شر يبدو هائلاً ومخيفاً وكل خير يبدو طارئاً وضئيلاً. أرتجف في هدأة الليل أحياناً من فرط القلق مثل محمومٍ بدون حمّى. ويأتي الصباح وقد أنهكني التعب وكأن عينيّ لم تغمضا طيلة الليل.

”كل شوقٍ يسكن باللقاء لا يُعوَّل عليه“ ابن عربي

كان لا بد من مكة. ولا بد لمكة منيّ. وكل شيء يمرّ به الإنسان في حياته لا بد منه. كل شأن هو ضرورة. كل حدث هو حاجة ملحة. كل أمرٍ نمر به من فرح أو حزن، من سلم أو حرب، من حب أو كره، هو نفسٌ من أنفاسنا لو لم نمرّ به لاختنقنا وعدنا إلى العدم.

” تأمن من كل شيء إذا أمن منك كل شيء“ ابن عربي

قليلة هي المدن التي تجوز أسوارها أول مرة فتشعر أنها كانت تنتظر وصولك. تلقي على خطواتك الأولى عتاباً مشوباً بالحنين وشوقاً محفوفاً بالرضا.

تقرأ الأرجل أحياناً وهي تمشي أكثر مما تقرأ الأعين في بطون الكتب.

”تعظيم خلقه تعظيمه“ ابن عربي

بيوتها من طين فلا تدوم طويلاً وكأنها تموت بموت أصحابها فلا يرثها أحدٌ من بعدهم.

– والله ما طلعت الشمس ولا غابت على حيّ أحب إليّ منك. – ووالله ما طلع القمر ولا غاب على حيٍّ يرزق أحب إليّ منكَ.

”اعتزل الناس ليسلموا منك لا لتسلم منهم“ ابن عربي

”كل حبٍ يزول ليس بحب“ ابن عربي

كذلك الحب لا يكتمل إلا بالألم.

– وكيف أطهّر قلبي؟ – بالحب.

ولكن شيئاً لا تغفره المرأة لنفسها قط أن لا يحرق الحب أطراف قلبها يوماً ليجعله يبدو نبيلاً وعريقاً مثل أوراق المخطوطات القديمة.