More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
Read between
March 6 - March 11, 2021
والأمر الأكثر أهمية ربما، هو أن معظمنا لا يشغل باله بوجبة طعامه اللاحقة ومن أين سيجيء بها. بعبارة أخرى، إننا نادرًا ما نحتاج للاعتماد على ما لدينا من عزيمة وقدرة على التحكم في الذات، فيما يتعين على الفقراء أن يفعلوا ذلك دائمًا.
يجعل الذين يعيشون في الدول الغنية يعيشون حياة حافلة بالمحفزات غير المرئية،
ونظرًا لأنها استثمارات في قطاع الصحة العامة، فإن كثيرًا من هذا الدعم المالي سوف يحقق أضعافًا مضاعفة من المكاسب التي تتحقق مع الانخفاض في معدلات الأمراض والوفاة، والارتفاع في مستوى الأجور– إذ يرجح أن الأطفال الذين يمرضون على نحو أقل يلتحقون بالمدارس لمدة أطول وبهذايحققون مداخيل أعلى من غيرهم.
لكن عندئذ فإنه أمر سهل، بل في غاية السهولة، أن نقوم بوعظ الآخرين حول مخاطر الممارسات السلطوية وحول الحاجة لأن نتولى المسؤولية عن حياتنا بأنفسنا، كل ذلك ونحن متربعون على أريكتنا الوثيرة في منزلنا الآمن والصحي. ألسنا نحن، هؤلاء الذين يعيشون في العالم الثري، المستفيدين الدائمين من الممارسات السلطوية التي أصبحت الآن متجذرة تمامًا في النظام حتى لا نكاد نلمحها؟
تُعفينا من الاضطرار للتفكير في هذه القضايا، وتمنحنا مساحة ذهنية نحتاجها حتى نركز على بقية شؤون حياتنا.
برهن عالم النفس الاجتماعي «كلود استيل» على قوة ما يسميه «تهديد الصورة النمطية» في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فالنساء يؤدين أداء أفضل في اختبارات الرياضيات عندما يتم إبلاغهن بوضوح بأن الصورة النمطية التي تفيد بأن النساء سيئات في الرياضيات لا تنطبق على هذا الاختبار تحديدًا ؛ وكذلك يؤدي الأمريكيون من ذوي الأصول الأفريقية أداء سيئًا في الاختبارات إذا كان عليهم أن يوضحوا من البداية عرقهم على الغلاف الخارجي للورقة.
إن الاعتراف بأن المدارس يتعين عليها أن تخدم ما لديها من طلاب، وليس هؤلاء الذين ترغب أن يكونوا لديها، ربما يُعتبر الخطوة الأولى نحو إنشاء نظام تعليمي يمنح الفرصة لكل طفل.
«الاهتمام والأهمية العظميين وذلك لأن كل ما نحرزه من تقدم على الصعيد الصناعي والاقتصادي والزراعي لن يكون ذا جدوى إذا ظل عدد السكان يتزايد وفقًا للمعدلات الراهنة.»
تمتلك الدول الغنية معدلات منخفضة للنمو السكاني. فمثلًا، تعتبر دولة مثل أثيوبيا التي يبلغ معدل الخصوبة الكلي فيها 6.12 طفلًا للمرأة الواحدة، أفقر بمقدار 51 مرة من الولايات المتحدة التي يصل فيها معدل الخصوبة الكلي إلى 2.05 طفل.
وكان مالتوس يؤمن بأن موارد الدول ثابتة تقريبًا (ومثاله المفضل الذي يسوقه هو الأرض الزراعية)، لأنه كان يرى أن استمرارية النمو السكاني سوف يجعل هذه الدول أشد فقرًا.(146) ووفقًا لهذا المنطق، فإن الفضل ينبغي أن يُنسب للطاعون الأسود، الذي يُعتقد أنه أودى بحياة نصف سكان بريطانيا خلال الفترة من 1348 إلى 1377، في ارتفاع الأجور خلال السنوات التي أعقبت تلك الكارثة.
وفي مقالة بعنوان «هبة الموت»، ذهب إلى أن وباء الإيدز سوف يجعل الأجيال المستقبلية من الشعوب الأفريقية أفضل حالًا من خلال خفضه لمعدلات الخصوبة.
كوكب الأرض يحمل على ظهره اليوم أضعافًا مضاعفة من الناس مقارنة بما كان عليه الحال عندما صاغ «مالتوس» فرضيته، فضلا عن أن معظمنا يفوق معاصري «مالتوس» في درجة الغنى. إن التقدم التكنولوجي، الذي لم يظهر في نظرية «مالتوس»، يسهم على نحو ما في إيجاد موارد من حيث لا نحتسب؛ فعندما يوجد مزيد من الأشخاص، فإن هذا يعني أن مزيدًا من الأشخاص يبحثون عن أفكار جديدة،
وكون الدول التي لديها معدلات خصوبة عالية اليوم هي الدول الأفقر في العالم، لا يعني أن فقرها يُعزى لمعدلات الخصوبة العالية؛ بل وبدلا من ذلك قد تُعزى معدلات الخصوبة العالية لديها لكونها دولًا فقيرة، أو ربما يكون ثمة عامل ثالث هو ما يُسبب الخصوبة العالية والفقر معًا.
كانت من بين الشعارات المفضلة لدى «سانجاي غاندي» شعار «الأسرة الصغيرة أسرة سعيدة.» وكان الشعار يأتي مصحوبًا بصورة كاريكاتورية لزوجين مبتسمين مع طفليهما البدينين، وهي صورة كانت الأكثر انتشارًا في أرجاء الهند في أواخر سبعينات القرن المنصرم. وربما يكون ذلك الشعار تجسيدًا لفرضية قوية طرحها «جاري بيكر»، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد؛ عندما أوضح أن الأسر تواجه ما أسماه «معادلة الكم والكيف.» فمع زيادة عدد الأطفال، فإن كلًا منهم سيصبح أقل مستوى من ناحية «الكيف» نظرًا لأن الأبوين سوف يكرسان موارد أقل لأجل توفير الطعام والتعليم لكل منهم بشكل سليم.
كشفت دراسة أُجريت في إسرائيل وركزت على أسباب هذا التنوع في حجم الأسرة، على نحو لافت أن الحجم الكبير للأسرة لم يكن له أي تأثيرات عكسية على تعليم الأطفال، حتى في أوساط عرب إسرائيل، الذين يعاني معظمهم فقرًا شديدًا .(155)
فإن قراءتنا للشواهد، وعلى النقيض مما ذهب إليه «جيفري ساكس» في كتابه «الثروة المشتركة»، تشير إلى أن ذلك الدليل القاطع على أن الأسر الأكبر حجما تضر بالأطفال ليس له وجود. وهكذا، فإنه يصبح من الصعب تبرير برامج تنظيم الأسرة التي تنتهج الأسلوب الفوقي وتهدف لحماية الأطفال من أن ينشؤوا ضمن أسرٍ كبيرة العدد.
يبدو أمرًا منافيًا للمنطق. فإذا كانت الموارد ذاتها يجب تقاسمها بين عدد أكبر من الأشخاص، فإن ذلك قد يؤدي ببعضهم على الأقل للحصول على نسبة أقل. وإذا لم يكن الأطفال هم من يعانون، فمن إذن يعاني؟ إحدى الإجابات الممكنة على ذلك هي الأم.
كانت النساء البنجلاديشيات اللائي استفدن من البرنامج في منطقة «مطلب» أكبر وزنًا وأطول قامة من هؤلاء اللائي كن في مجموعة المقارنة وكن يحققن أيضًا دخلًا أعلى. إن توفر وسائل منع الحمل يمنح النساء قدرة أكبر على التحكم في حياتهن الإنجابية
إن أحد الأسباب التي قد تجعل الفقراء غير قادرين على التحكم في خصوبتهم ربما يكون هو عدم تمكنهم من الوصول إلى وسائل منع الحمل الحديثة.
وأحد الأسباب التي جعلت برنامج «مطلب» أكثر قدرة من البرامج الأخرى لتنظيم الأسرة على تغيير الخيارات ذات الصلة بالخصوبة ربما هو كونه يتضمن القيام بزيارات للنساء في منازلهن، ولاسيما عندما يُفترض أن أزواجهن غير موجودين بالمنازل، وهو ما قد يتيح لعاملة الصحة أن تقنع بعضهن باتباع وسائل تنظيم الأسرة دون علم زوجها. وعلى النقيض، فإن النساء اللائي يتقيدن بتقاليد ما يعرف بالبردة (التي تحظر عليهن مغادرة منازلهن دون صحبة أزواجهن) سوف يتعين أن يصحبهن أزواجهن حتى يحصلن على تلك الخدمات في مكان رئيسي، وهو ما قد يجعلهن يغيرن قراراتهن.
يرى كثير من الآباء أن أطفالهم هم عقودهم الاقتصادية الآجلة، وأنهم بمثابة وثيقة تأمين ومنتج ادخاري وبضع تذاكر لمسابقة يانصيب وقد تم لفها جميعًا في حزمة صغيرة.
إلا أنّ كثيرًا من الآباء في الدول الغنية ليسوا بحاجة للتفكير على هذا النحو تمامًا، نظرًا لأن لديهم سبلًا أخرى للتعامل مع سنوات كهولتهم – فلديهم الضمان الاجتماعي والأرصدة المتبادلة وبرامج التقاعد والتأمين الصحي سواء كان عامًّا أو خاصًّا.
وفي الهند، يتم فطام الإناث عن الرضاعة الطبيعية قبل الذكور الرُضع، ما يعني أنهن يبدأن شرب الماء مبكرا ويزداد تعرضهم للأمراض المنقولة عبر الماء التي قد تهدد حياتهن مثل الإسهال.
فإن أنجح السياسات السكانية ربما هي تلك التي تجعل إنجاب عدد كبير من الأطفال (ولاسيما الذكور منهم) أمرًا غير ضروري.
ويمكن لشبكات الضمان الاجتماعي الفاعلة (مثل التأمين الصحي أو معاش التقدم في السن) أو حتى التنمية المالية التي تتيح للأشخاص الادخار على نحو مربح استعدادا للتقاعد أن تؤدي إلى خفض كبير في معدلات الخصوبة، وربما تؤدي أيضًا إلى الحد من التمييز ضد الإناث.
فقد كانوا يتعاملون مع مشكلات كانت جميعها مألوفة لهم للغاية. وبالنسبة للفقراء، فإن كل سنة تبدو وكأنهم في غمرة أزمة مالية هائلة.
وأحد الأشكال التي يأخذها «عدم الاتساق الزمني» هذا هو أن ننفق الآن وفي الوقت ذاته نخطط للادخار في المستقبل. بعبارة أخرى، فإننا نأمل أن تكون «ذاتنا في الغد» أكثر قدرة على الصبر من «ذاتنا اليوم».
نجد أن طرائق كثيرة من تلك التي يلجأ إليها الفقراء لادخار أموالهم لا تهدف لجعل المال في مأمن من الآخرين وحسب، وإنما أيضا لحمايته من أنفسهم. فمثلًا، إذا كنت تسعى لتحقيق هدف ما (وليكن شراء بقرة أو ثلاجة أو تشييد سقف المنزل)، فإن الانضمام إلى جمعية دوارة حيث يكفي إجمالي مبلغ الوعاء الادخاري فيها لتغطية ثمن ذلك الهدف سيكون خيارًا رائعًا؛ فبمجرد انضمامك لها، سوف تصبح ملزمًا بالإسهام بمبلغ معين من المال أسبوعيًا أو شهريًا، وعندما تحصل على الوعاء، سوف يصبح لديك ما يكفي لشراء ما كنت تتطلع لشرائه، ثم يمكنك عمل ذلك في الحال قبل أن تنزلق النقود من بين أصابعك.
وهكذا فإن مجرد الوعي بمشكلاتنا لا يعني بالضرورة أنها قد حُلَّت. ربما يعني أن بوسعنا التوقع الدقيق لمكامن فشلنا وحسب.
حقيقةُ أن سلعًا كثيرة من تلك التي يتطلع إليها الفقراء من قبيل امتلاك ثلاجة أو دراجة أو إلحاق الطفل بمدرسة أفضل، هي سلع غالية الثمن نسبيًا، وهو ما يعني أنه عندما يتوفر لديهم قدر قليل من المال، فسوف تصبح سلع الإغواء هذه في وضعية ممتازة تغري على تَملُكها (لن تتمكن أبدًا من ادخار ما يكفي لأن تشتري هذه الثلاجة، هكذا يلح عليك صوت عقلك. لتحتسِ كوبًا من الشاي بدلًا عن ذلك...). وهو ما ينتج عنه دائرة مفرغة يصبح فيها الادخار أقل جاذبية لدى الفقراء،
ولربما كان تحريك الأهداف حتى تصبح أقرب منالًا هو ما يحتاجه الفقراء تحديدًا كي يشرعوا في الركض نحوها.
لن يتسنى للدول أن تتطور حقًا إلا عندما يتم إصلاح مؤسساتها السياسية،
هذه المؤسسات واسعة النفوذ هي المحركات الرئيسة لنجاح المجتمع أو فشله. فالمؤسسات الاقتصادية الجيدة سوف تشجع المواطنين على الاستثمار ومراكمة الثروة وتطوير أنواع جديدة من التكنولوجيا، وسوف تفضي إلى ازدهار المجتمع. أما المؤسسات الاقتصادية الرديئة فسوف ينجم عنها نتائج معاكسة.
وهذا هو ما يضفي أهمية على المؤسسات السياسية، فهي تنشأ من أجل منع الزعماء من تنظيم الاقتصاد على النحو الذي يعزز مصلحتهم الخاصة. وعندما تؤدي أداء جيدًا، فإن المؤسسات السياسية تفرض ما يكفي من القيود على الزعماء وذلك لضمان أنهم لن يحيدوا كثيرًا عن المسار الذي يحقق المصلحة العامة.
وبحسب إحدى وجهتي النظر، فإنه إذا كانت الدول عالقة في الفقر بسبب مؤسساتها الرديئة، فإنه يتعين على دول العالم الغنية أن تساعدها على إقامة مؤسسات أفضل، بل وإذا لزم الأمر، أن تستخدم القوة في سبيل ذلك. أما وجهة النظر الأخرى، فتذهب إلى أن أي محاولة فوقية للتلاعب بالمؤسسات أو السياسات سيكون محكومًا عليها بالفشل، وبأن التغيير لا يمكن أن ينشأ إلا من الداخل.
فالمؤسسات يتعين تصميمها وفقًا للبيئة المحلية، ولهذا فإن أي محاولة فوقية لتغييرها سوف تأتي بنتائج عكسية. والإصلاح، إذا كان ممكنًا على الإطلاق، لا بد أن يكون تدريجيًا، ولا بد أن يعترف بأن المؤسسات القائمة إنما هي موجودة في أغلب الأحوال لتلبية حاجة ما.(268)
لكن ثمة دليلًا دامغًا على أنه حتى أسوأ انتخابات محلية يمكنها أن تحدث فرقًا جوهريًا في كيفية إدارة الحكومة المحلية.
فإنه في عهد سوهارتو استخدمت أموال النفط في بناء المدارس؛ إذ كان يرى أن التعليم يمثل وسيلة فعالة في إذابة الأيديولوجية وفرض لغة موحدة وخلق إحساس وطني بالوحدة داخل الدولة. وقد أدت السياسات، كما قلنا، إلى زيادة في التعليم، ثم ارتفاع في الأجور بين الأجيال التي استفادت من هذا التعليم.
وبالنسبة للفقراء، فإن الأمر تُفاقمه حقيقة أن حياتهم تكتنفها بالفعل صعوبات تفوق ما يكتنف حياتنا؛ فكثير من الفقراء يديرون مشروعات صغيرة في مجالات شديدة التنافسية؛
ليس لدينا أيضًا رافعة تضمن لنا استئصال الفقر، ولكن ما إن نُسلِّم بتلك الحقيقة، فإن الوقت يصبح في صفنا. لقد ظل الفقر رفيق دربنا على مدى آلاف السنين؛ فإذا كان علينا أن ننتظر خمسًا وعشرين أو خمسين سنة أخرى حتى نتمكن من القضاء عليه، فليكن ذلك.