Kindle Notes & Highlights
Read between
November 18 - November 26, 2018
يكد فلاحنا طول يومه، بل قل طول عمره ليجد ما يمسك رمقه، ثم لا تسمعه يتذمر أو يشكو كما يفعل الفلاحون في الأقطار الأجنبية، لا لأنه يزهد كسقراط أو يتقشف كديوجنس، ولكن لأنه يجهل ما يطلبه بعد حشو معدته ودفء جلده، وإذا سمعته يشكو فَقَلَّ أن تسمعه يتظلم؛ لأنه لا يُحدث نفسه بأن هناك أحدًا يظلمه حقًّا من حقوقه. حاجات ما أخسها لا يمكن أن تقنع العجماوات بما هو أخس منها، فإذا صح أن رقيَّ الأمة إنما يُحسب بقدر تعدد مطالب الفرد، فما أبعدَنا عن الرقي الحقيقي! وما أبعدَ الرقيَّ الحقيقي عنا!
أصحاب القرائح الشعرية لا يتمتعون بالحياة الحقيقية كبقية الناس؛ فإن حياتهم كلها ذاهبة بين أمل في المستقبل أو ذكرى للماضي، وقلَّ أن تستقر بهم نفوسهم في الحاضر الراهن؛ لأنه دائمًا على غير ما يشتهون. والشاعر مكتوب عليه الشقاء ما دام مطبوعًا على مواهب الشعراء، فهو حاد الخيال تُصوِّر له قريحته العالم حافلًا باللذة والنعيم مترعًا بالصفو ودواعي الهناء مما لا يُصدقه الواقع، وتريه الناس على صورة من خلوص الضمائر وصفاء السرائر وطهارة الأخلاق تبرهن المعاشرة على خلافها، وهو لطيف الإحساس دقيق الشعور يوجعه ما لا يكاد يُحس به غيره، وتفعل في نفسه الوخزةُ الهينة ما لا تفعله الطعنة القاسية في نفس غيره، وهو فاتر
...more
طمأنينة اليأس ماذا أصنع؟ سؤال إذا ألقاه المصاب على نفسه فعجزت عن الجواب، هان عليه المصاب، يقوله المُحتضَر والمقضيُّ عليه بالإعدام، ويقوله المفجوع بعظائم الرزايا وفوادح الآلام، يقوله فتطرق نفسه إطراق الرِّضَى والاقتناع، بهذا السؤال «الإسفنكسي» يرقد ساكن الروع، جانٍ سيساق غدًا إلى ساحة القتل، بل بهذا السؤال يترقب ذلك الجاني ساعة القضاء عليه كمن
يحسن بالقارئ أن يعيد تصفح الكتب التي يقرؤها مرة في كل ثلاث سنين على الأكثر، فإنه يضاعف انتفاعه بها ولا تفوته طلاوة الجديد؛ فإنها تتغير في نظره حتى لقد يظهر له كأنه يقرؤها للمرة الأولى فيرى في معانيها ودقائقها ما كان لا ينتبه إليه من قبل، كما يبدو له من مآخذها وأغلاطها ما كان يخفى عليه، وربما تغيَّر حُكمه عنها إلى نقيضه فيروقه ما كان يرفضه ويرفض ما كان يروقه مترقيًا مع ارتقاء معلوماته. وبإعادة تلاوة الكتاب في ظروف مختلفة، يتجرد القارئ عن تأثير الظروف عليه في قراءته ويتخلص إلى المعنى المقصود.