Kindle Notes & Highlights
by
أحمد أمين
Read between
December 15 - December 30, 2021
فإذا خرجوا من المدرسة فنظام وظائف ونظام علاوات وترقيات كفيلة بإثارة شعور القتال عند أي ميال إلى السلم.
الأغراض من دراسة اللغة العربية — في نظري — على شكل هرم، قاعدته منبسطة جدًّا، ثم تأخذ في الضيق شيئًا فشيئًا؛ فأوسع غرض وأشمله أن يستطيع الطالب التعبير عما في نفسه باللسان والقلم تعبيرًا صحيحًا يطابق تمام المطابقة ما في نفسه، وأن يفهم فهمًا صحيحًا ما يقوله الآخرون أو يكتبونه على هذا النمط.
وفي ضوء هذا النظر يجب أن نقلل من التعليم الفلسفي ما أمكن، ففلسفة الإعراب في النحو، وفلسفة البلاغة التي لا ينبني عليها عمل، والنظريات في تاريخ آداب اللغة من حيث أسباب رقي كذا وضعف كذا، يجب أن تكون كلها في المنزلة الثانية أو الثالثة؛ لأنها لا توافق إلا عددًا قليلًا من الطلبة.
ولو شاهَدَت أُمَّة الحمير أو أمة الكلاب هذه المناظر وكان لها لسان ينطق لصرخَتْ: ما أشد جنون الإنسان! ونعوذ بالله أن نمسخ ناسًا.
ليس لهذا من علاج إلا فهم العزة بمعناها الدقيق، وهو احترام نفسك في غير احتقار أحد، وأن تقف موقفًا له جانبان، فإن نظرت إلى من هو أعلى منك في المنصب والجاه والجنسية فلا تمكنه أن ينال من نفسك ولو ذرّة، ولا أن يتعدى حدوده ولو شعرة؛ وإذا نظرت إلى من هو أسفل منك فلا تتعدّ حدودك، وإذا شعرت باستخذائه وذلته، فارفع مستواه ما استطعت حتى يصل إلى الحدود.
فكان من نبل ابن الفرات أنه لما وُزِّرَ حُمل إليه صندوقان عظيمان فيهما أسماء من يعاديه ومن يكيد له ومن يعمل لخصومه، فقال: «لا تفتحوهما، ودعا بنار وطرح الصندوقين فيها، فلما احترقا قال: لو فتحتهما وقرأت ما
فيهما لفسدت نيات الناس بأجمعهم علينا واستشعروا الخوف منا، وبما فعلنا من إحراقهما هدأت القلوب وسكنت النفوس».
سيتآخى
أول درس يجب أن يتعلم في فن السرور «قوة الاحتمال»، فأكبر أسباب الشقاء رخاوة النفس وانزعاجها العظيم للشيء الحقير؛
فإذا عدموا أسباب الحزن خلقوها حتى من أعمق منابع السرور.
فكل من في المحكمة من خصوم وكتبة ومحامين وقضاة إنما يشتغلون في الهدم،
فحلا له أن يعتزل الناس؛ لأنهم يحولون بينه وبين تفكيره، ويقطعون عليه سلسلة مشاعره.

