More on this book
Kindle Notes & Highlights
قل: إن الكون نور، قل: إن الله نور السموات والأرض، فإذا قصر بك الحس عن نور الله فثق أن هذا الضياء الذي يملأ الفضاء هو النور الإلهي، الذي كتب لابن الفناء أن يراه.
كتب، كل هذا كتب، شيء يدوِّخ! ومالت برأسها كأنها تهرب من دوار ينذرها بإغماء. ألا ترى يا صاحبي أن هذه الفتاة قد عرفت الكتب فلم تعرفها جلودًا وأوراقًا وألوانًا تشوق العيون، ولكنها عرفتها كما هي في الحقيقة زحمة من الأفكار والمعارف تشفق منها على رأسها الصغير؟
فإنما تمتنع لأن الناس لا ينتفعون بالمال إذا سرقوه، فلا يملكون به أرضًا ولا يودعونه في مصرِف، ولا يتركونه بعدهم لوريث، فهم يكفُّون عن سرقته؛ لأنهم عاجزون عن الانتفاع به؛ لا لأنهم عفُّوا عن الظلم أو تنزهت ضمائرهم عن العدوان أو ارتقوا قليلًا أو كثيرًا في سلم المروءة والأخلاق، وتلك فضيلة المسجون أو فضيلة المضطر إلى العفاف، وليست هي بخير من محنة الأخلاق التي تمحصها التجارب، ويتعفف عنها الناس وهم قادرون.
مرحلة الحياة يا صاحبي كجميع المراحل التي نقطعها من مكان إلى مكان، لا تركب القطار حتى تحصل على التذكرة، ولا تحصل على التذكرة حتى تعرف الغاية التي تسير إليها،
قال صاحبي: وهل وصلت قط من فلسفة حياتك إلى شيء؟ قلت: نعم، إن الله موجود. قال: باسم الفلسفة تتكلم أو باسم الدين؟ قلت: باسم الفلسفة أتكلم الآن، والفلسفة تعلمنا أن العدم معدوم فالموجود موجود، موجود بلا أول ولا آخر؛ لأنك لا تستطيع أن تقول: كان العدم قبله أو يكون العدم بعده! وموجود بلا نقص؛ لأن النقص يعتري الوجود من جانب عدم ولا عدم هناك، موجود بلا بداية ولا نهاية ولا نقص ولا قصور … والوجود الكامل الأمثلُ هو الله.
زعمونا — أو زعمنا لأنفسنا نحن الشرقيين — أننا خياليون، وأننا لو أصبحنا واقعيين لنفضنا عنا غبار الخمول. والحق الذي لا مرية فيه عندي أننا واقعيون فاشلون في الواقعيات، فليست قصور ألف ليلة وليلة ولا حسانها وجواهرها وموائد طعامها وشرابها خيالًا يحتاج إلى ملكة من ملكات التصور والإدراك، ولكنها كلها واقع ناقص أو واقع موقوف التنفيذ،
قلت: إن عظماء البطولة الإنسانية لا يوزنون بغير الصفة العليا التي تتجلى في البطولة، وهي الإيثار. فإذا تعادلت كفاءات العقل واللسان وكفاءات العزم والعمل، فليس في الميزان الإنساني أصدق من وزنة الإيثار للمفاضلة بين المتقاربين في الأعمال والأقدار.
إننا نكبر بالليل جدًّا يا صاح. إن الليل هو عالم النفس، وأما النهار فهو عالم العيون والأسماع والأبدان. إننا بالنهار جزء صغير من العالم الواسع الكبير، ولكن العالم الواسع الكبير كله جزء من مدركاتنا حين ننظر إليه بالليل، وهو في غمرة السبات أو في غمرة الظلام.
فلا أخفي عليك يا صاحبي أن أمر ابن الرومي في سمعته تلك أمر عجيب مفرط في العجب، وأنني لو صدقت خرافة من الخرافات لصدقت خرافة الشؤم والتشاؤم، وصدقتها في ابن الرومي هذا قبل غيره، فما حدث منه قد شهدته بنفسي وخبرته في صحبي، ولم أعتمد فيه على رواية الأقدمين ولا على مبالغات المتندرين؛ لأنني تعاقدت على طبع كتابي عنه مع مدير المطبعة، فمات هو وسجنت أنا قبل الفراغ من ملازم الكتاب الأول، وكان وزير المعارف «أحمد حشمت» قد أوصى بطبع ديوانه، وأقام على تصحيحه مفتش اللغة العربية في الوزارة، فعزل الوزير والمفتش وماتا قبل الفراغ من جزئه الثاني، وكتب المازني فصولًا عنه فكسرت رجله، ونشر صاحب الثمرات قصائد من ديوانه
...more