More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
وهذه النفوس التي تذل لأحقر من في الأرض ولا تثور إلا على السماء،
ونظر الحزين في نفسه، والعاشق في قلبه؛ ونام قوم قد خَلَت جنوبهم فليس لهم نفوس ولا قلوب،
فمن أحبَّ ورأى حبيبته من فرط إجلاله إياها كأنها خيال مَلَك يتمثل له في حلم من أحلام الجنة، ورأى في عينيها صفاء الشريعة السماوية، وفي خديها توقُّد الفكر الإلهي العظيم، وعلى شفتيها احمرار الشفق الذي يخيل للعاشق دائمًا أن شمس روحه تكاد تمسي: ورآها في جملة الجمال تمثال الفن الإلهي الخالد الذي يُدرَس بالفكر والتأمل لا بالحس والتلمُّس، فأطاعها كأنها إرادته
بلى ولقد يخيَّل إليَّ أيها القمر الجميل حين أكتب عمن أهواها أنك لفظ في ألفاظي تطلع من المداد، فإذا قلت: «وجهها» فهل تظن هذا اللفظ الذي هو جملة الجمال إلا قمرًا في الكلام؟ وإذا قلت: «ابتسامها» فهل ترى هذه الحروف التي تتنفس على القلب إلا أشعة الفجر الندي؟ وإذا قلت: «هي» فهل ترى إلا «ضمير» الطبيعة التي تأخذ عليها الإنسانية دينَها؟ آه لو تعلم أيها القمر من «هي»!؟
المال الكثير حاجات كثيرة، وحاجات هذا الإنسان الضعيف معدودة محدودة، ومهما حاول وزاول فإنه لن يعدو حده الطبيعي؛ إذ قد عرفت الطبيعة غروره وطماحه فجعلت له من المعدة قيدًا في باطنه ووُضعت عليه من القلب قفلًا صغيرًا، بيد أنه متين لا يقتحمه إلا الموت، فليفعل الأغنياء ما شاءوا فإنهم لا يزالون من الطبيعة حيث هم بجانب الفقراء والمساكين ههنا وههنا.
د.سيد (نصر برشومي) liked this
ويحك لِمَ تبتئس أيها الفقير؟ الغني يريد أن يجعل حظوظ الناس جميعًا حظًّا واحدًا ليخص نفسه بهذا الحظ … وأنت تريد أن تختص بحظ الغني … فماذا تركتما لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء؟
ليخلق الناس إن استطاع بلا قلوب، فإنه سيجدهم لا محالة بلا إيمان؛ وإلا فليتركهم فإن في العالم غير صناعة العقل أشياء كثيرة، واليوم الذي يكون فيه كل الناس عقلاء في الرأي يكون كل الناس مجانين في الحقيقة.
وكذلك لو كان الإنسان يهتم للمصيبة على قدرها في نفسها لا بمقدارها في نفسه، لذهب بها وقتها، لأن الوقت يسير بكل شيء تدفعه فيه، ولكانت هذه المصائب في تاريخ الإنسان كأنها عُطاس يزعج قليلًا ثم يعقِب انتهاضًا من عثرة الرأس وراحة.
وما الآلام إلا رياضة نفسية تشتد بها النفوس وتصلب فلا تهدُّها أثقال الحياة التي لا يضطلع بها إلا ذو المرة السَّوي.
ولولا هذه الآلام لأقفرت الأرض؛ لأن الإنسان الذي لا يتألم ليس إنسانًا أرضيًّا، بل ينبغي له أن ترفعه الملائكة وتلوِي به في جو السماء، ثم تكون مدة عمره في الأرض مَسيرة ما بين الدنيا والآخرة على أجنحة الملائكة …
وليست كل الهموم التي تصيب الإنسان مما يلوي بها القَدَر عليه؛ فإن من ذلك سيئات يجنيها الإنسان على نفسه بسوء الخوف من الله واتهام رحمته وقدرته، كالتوقع لما يقع، والحذر مما لا يوقن بوقوعه، ومعالجة المستقبل، والاهتمام للمستحيل أو لشبه المستحيل؛ ثم المصيبة الآكلة التي لا تبقي على النفس إلا أسوأ ما فيها؛ لأنها محاولة استخدام القضاء وتصريف القدر على غير ما يريده الله، وهي الحسد!
أما المصائب الإلهية فإن الله يرسلها برحمة، فيستلب فيها من الإنسان إحساسه أو أكثره، ويعطيه أسباب العزاء أو أكثرها، ويهيئ له من أمره ما يجعله يتلقى المصيبة بروحها لا بروح النعمة التي أصيب فيها؛ وبذلك لا يشعر أنه ضرب بيد الجبار ولكن بيد الرحيم، ولا يكون إلا كالذي يغمض عينيه عند الوَسنة ثم ينحدر إلى الأبدية وقد يتحطم في مهواتها وما أحس من آلام الموت ونزعه أكثر من غمضة العين.
والإنسان لم يكن يومًا منسيًّا من الله ولكنه لا يزال ينتبذ المكان القِصي من الظن كأنه يريد أن يكون منسيًّا منه؛ فهو يشك في رحمة الله وعنايته كلما راثَ عليه الخير١١
أيوثق فؤاد الحسناء بالسلسلة الرَّبوض التي صيغت من كلمات الزواج ثم يُشد طرفها في يد الرجل الذي تكرهه أو ستكرهه شخص البغض ويقال مع ذلك إنهما ارتبطا برباط مقدس …
وهل الرجل والمرأة إلا مجدافان في زورق البيت (العائلة) الذي يعبر بهما نهر الحياة!
الصداقة كما عرفت منك يا صديقي السماوي لا تكون كذلك حتى تدع الإنسان كأنه يشعر في السراء والضراء بنفسين، فيضاعف له السرور؛ لأن كلتا النفسين تطلب الزيادة منه ويضعف عنه الهم؛ لأن كلتاهما تعمل لنقصه إذ هو همُّ نفس واحدة وتوزعته نفسان ويكون الإنسان في الحالة الأولى كأنه يتلقى روح النعمة لنفسه بروح السرور من صديقه، وفي الحالة الثانية كأنه يتلقى روح الجزع بروح الاطمئنان، وإن أشقى الناس من لا يستطيع أن يجد إلى جنبه في سَورة الجزع نفسًا أخرى تجزع له باطمئنان ليطمئن في جزعه، وهي الصداقة بعينها، وما يُلقَّاها إلا ذو حظ عظيم.

