More on this book
Kindle Notes & Highlights
ووفقا للرؤية الجديدة، لم يعد المجرم يعتبر معتديًا على الحضور المطلق للسلطة المَلَكية، وإنما أصبح مخترقًا للعقد الاجتماعي، وبالتالي أصبح عقابه لا يتم بتأكيد تجلي السلطة الملكية مرة أخرى باستعراضات التعذيب، وإنما بإبعاده عن جسم المجتمع بقدر الإمكان وإلحاقه بالفئات الهامشية الأخرى كالمجانين والمرضى والمعوزين.
möhamed liked this
حيثما توجد سلطة توجد مقاومة
إذا كان نقد الحداثة يشكل محورًا أساسيًا من محاور هذا الكتاب، فإن نقد الخطاب القومي يشكل المحور الأساسي الثاني له.
فهذا بالأحرى كتاب عن الحداثة والسلطة: عن الحداثة وكيف يجب دائمًا أن ننتقدها لا أن نلهث وراءها، وعن السلطة ووسائلها الانضباطية الحديثة وكيف يجب رؤيتها دائمًا لا كشيء جامد يتجلى بأشكال حتمية بل في علاقتها المتغيرة الدائمة مع المقاومة.
قال فوكو بأن العقوبات الاستعراضية العامة يجب أن تعتبر طرفا واحدا من طرفي معادلة شعائر السلطة، أما الجانب الآخر فيتكون من الشعائر التي يستعرض فيها العاهل مجده العظيم مجسدًا في جسمه هو أمام رعاياه، مثل احتفالات التتويج وإخضاع الرعايا المتمردين ودخول المدن المفتوحة،
ومع ذلك فإن هذا الكتاب يقول أيضا إن «مصر» باعتبارها كلمة تشير إلى دولة ـ أمة لم تكن مجرد نتيجة لتحول في الدلالة اللغوية، أنتجه خطاب النزعة الوطنية المهيمن، ولا كان ميلاد الأمة المصرية في القرن التاسع عشر نتيجة ترتبت فقط على قدرة الدولة الحديثة على احتكار أدوات العنف بإعادة تنظيم الأجهزة الإدارية المدنية والعسكرية بحيث استطاعت أن تمد سيطرتها على مساحات أوسع بطريقة تتسم بالدوام. وإنما ظهرت الأمة المصرية إلى الوجود كنتيجة لكثرة من الممارسات والخطابات التي حولت الإدارة في القاهرة من الاهتمام أساسا بجباية الضرائب والحفاظ على القانون والنظام إلى حكومة تخترع تقنيات حديثة للسيطرة وتستخدم طرقا أكثر
...more
وقبل كل شيء لعب جيش الباشا دورا حاسما في صعود الدولة ـ القومية الحديثة في مصر بإدخال ممارسات غيرت معا طبيعة الدولة المصرية وعلاقتها بـ «مواطنيـها» وحولت بالكامل بنية المجتمع المصري ذاتها. فبالقبض على متسحبيها ومعاقبة مجرميها وتعليم شبابها وتطعيم أطفالها وإسكات نسائها واحتجاز مجانينها، وبالقيام بذلك كله بطريقة بارعة «إنسانية» و«عقلانية».. ظهرت الأمة المصرية إلى الوجود في الأزمنة الحديثة. لقد كانت هذه العملية المتواصلة من العنف والإسكات والاستبعاد هي التي علمت المصريين الحقائق الأساسية عن الأمة.

