كل رجال الباشا: محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة

by خالد فهمي

في زمن مبكر يرجع إلى منتصف الثلاثينيات، حين كان جون باورنج يزور مصر، كان سخط المصريين، بالمعنى الكامل للكلمة، على حكامهم المتحدثين بالتركية قد بدأ في الظهور بشكل واضح، في الجيش أساسا. «كان أي جندي عربي من الجيل السابق واقعا بالكامل تحت رحمة ضابطه التركي؛ الآن لم يعد الأمر كذلك... فشخصية السكان بمجملها تمر بتحول صامت ولكنه واضح. فالعنصر المصري يحل تدريجيا محل التركي...» (1004). وبحلول أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر كان ذلك «العنصر المصري» قد اكتسب قدرا كافيا من الوعي الذاتي لكي «يجرؤ على الاعتراف بوجوده الخاص» (1005)، والتعبير عن نفسه بتمرد علني. فالثورة العرابية في عامي ١٨٨١ و١٨٨٢ كانت، بالإضافة إلى أنها ثورة قامت بها قطاعات مختلفة من السكان المدينيين والريفيين ضد السيطرة الأوربية المزدوجة، تمردا من جانب الضباط الفلاحين المتحدثين بالعربية على رؤسائهم المتحدثين بالتركية(1006). كانت هذه الهيمنة تتمثل بأوضح شكل في النظام الذي وضعه قبل خمسين عاما محمد علي وابنه إبراهيم، وبموجبه لم يُسمح للضباط المتحدثين بالعربية بالترقية إلى الرتب العليا في الجيش وفي البيروقراطية المدنية أيضا. وعلى ذلك كان شعار الثورة العرابية «مصر للمصريين» يمثل هذا الصعود للشعور بالقومية المصرية الموجَّه جزئيا ضد الهيمنة التركية التي كانت سمة مركزية في جيش محمد علي، والتي وجدت تمثيلها الأوفى في شخص الباشا ذاته.