كل رجال الباشا: محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة

by خالد فهمي

فالغرض من كتابات كونو وحنا وجران وغيرهم من الكتاب النقديين هو إثبات أن الأمة المصرية كانت طوال تاريخها، بما في ذلك أثناء الحكم العثماني، صاحبة وعي وإدراك ذاتي. وتنحصر محاولات هؤلاء الكتاب في البرهنة على مدى تطور ونمو المجتمع المصري قبل مجيء أوربا، وأن وراء هذا التطور والنمو توجد دائمًا ذات مصرية أصيلة، هي الأمة المصرية، وأن هذه الأمة المصرية بدورها صاحبة فعل وإرادة وعقل، بوصفها ذاتا وكينونة أصيلة متفردة. وبهذا التركيز على وصف الأمة المصرية كفاعل تاريخي يتوصل إلى إدراك ذاته، وقعت هذه الدراسات، دون وعي أو قصد، في شرك التفكير الحداثي، حيث اقتبست مفهوما غربيًا للحداثة، هو المفهوم الذي يعتبرها الامتلاك التدريجي للعقلانية ويعتبر التاريخ صيرورة عالمية لتحقيق مبدأ العقل. وبعبارة أخرى، فقد حاول هؤلاء المؤرخون النقديون أن يتحدّوا المركزية الأوربية، لا بنقد المبادئ النظرية التي قامت عليها هذه المركزية، بل بتخيل هوية محلية مصرية مركزية تقوم على ذات المبادئ النظرية، مع اختلاف مهم، هو اعتبار هذه الهوية مستقلة عن الغرب ومعارِضة له. وبناء على ذلك سعى هؤلاء الباحثون لإثبات أن نظام الملكية الخاصة للأراضي الزراعية يرجع الفضل فيه إلى عوامل داخلية وليست خارجية، وأن تطور الاقتصاد وإمكانيات التراكم الرأسمالي لا يرجع إلى الانفتاح على الاقتصاد الأوربي بقدر ما يرجع إلى تطورات داخلية بحتة، وأن حركة التجديد في الفكر والثقافة لم تنتج عن الاحتكاك بالفكر الأوربي بل عن تطور محلي ذاتي الدفع والحركة والمرجعية. ومن وراء ذلك كله يلزم افتراض وجود هوية قومية مصرية خالصة مطلقة غير مختلطة بما هو دخيل. وهذا الافتراض بذاته، افتراض وجود هذه الهوية «ليس في الواقع غير العلامة المميزة لفكر الحداثة الغربي حتى عندما يُن...