More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
هل قلت لم أتعوَّد؟ أتراجع عن الكلام. تعوَّدت، لا أحد يستعصي على ترويض الزمان.
ما الذي تفعله امرأة تشعر أنها بالصدفة، بالصدفة المحضة بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام
واللحظات الحلوة والمرة التي عاشتها، فضلةَ حركة عشوائية لقدرٍ غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟
لم أقل «لماذا؟» أقصد لم أنطق بها وربما لم أعِ أنها هناك تتردد في صدري صباح مساء وعلى مدار الليل والنهار. لم أقل شيئًا. تحصَّنتُ بالصمت. والآن يأتيني هذا الشاب الوسيم الضاحك
الذي يُفرط في الأكل ليقول هكذا ببساطة «عَبِد من قيسَارْيَة» فيفتح عليّ باب جهنم الذي أوصدتُه منذ زمان. يُطلق عليّ كلاب الذاكرة. لـِمَ لا تذهب عني بعيدًا يا ولد؟ لـِمَ لا تتركني وحالي. تناسيت حتى بدا أنني نسيت. ثم إن هناك صادق وحسن وعَبِد، آخرين أتشاغل بالتحديق فيهم كأنهم الأصل، كأنني نسيت الأصل. ما الذي تريده مني يا ولد؟
عند موت من نحب نكفِّنه. نلفُّه برحمةٍ ونحفر في الأرض عميقًا. نبكي. نعرف أننا ندفنه لنمضي إلى مواصلة الحياة. أي عاقل ينبش قبور أحبابه؟ ما المنطق في أن أركض وراء الذاكرة وهي شاردة تسعى إلى الهروب من نفسها، شعثاء مُعَفّرة مُروَّعة مسكونة بهول ما رأت؟ لماذا أركض وراءها، هل أريد قتلها لأعيش، أم أسعى لإحيائها وإن مت بعدها
ولكنني أعتقد أن الإسرائيليين وقد احتلوا البلد ليسوا بحاجة لمزيد من العنف. قصفوا واجتاحوا وقتلوا ما فيه الكفاية وحققوا ما أرادوا. رحل أبو عمار والفدائيون ودخل الجيش الإسرائيلي بيروت الغربية. إذن حققوا أهدافهم بالكامل. الآن الوجه الآخر: شكولاتة وبونبون وابتسامة بالكلوروفيل و«جئنا لنحميكم».
لا سلاح معي. لن أجد سوى بصقة أبصقها عليهم. أي عبث! بصقة في كفة وفي الأخرى ثلاثة أشهر من القصف والقتل والتدمير. غير صحيح، في الكفة الأخرى سنوات عمري كله. وأبي وشقيقيّ.
لماذا ورطّتني في هذه الكتابة؟ ما المنطق في أن أعيش تفاصيل الكارثة مرتين؟
ربما كنت غير راغبة في الابتعاد أكثر. كأن شاطئ بيروت، يقودني إلى شاطئ بلدنا. كأن شاتيلا عند طرف شارع إن سلكته وسرت في خط مستقيم أَصِل الطَّنْطُورَة.
أشارت بسبّابتها إلى الرجل وسألت: يو إزرائيلي؟ هز الرجل رأسه. قال: نو. إذن لماذا تبتسم وأنت تقول إزرائيل. الإنسان المحترم ينغمّ لما يسمع اسم إزرائيل.
مفتاح دارنا يا حسن. هديتي إلى رُقَيَّة الصغيرة.

