لو عرف المحسود ما للحاسد عنده من يدٍ وما أسدى إليه من نعمةٍ، لأنزله من نفسه منزلة الأوفياء المخلصين، ولوقف بين يديه تلك الوقفة التي يقفها الشاكرون بين أيدي المحسنين. لا يزال صاحب النعمة ضالًّا عن نعمته لا يعرف لها شأنًا ولا يقيم لها وزنًا حتى يَدُلَّه الحاسد عليها بنكرانها، ويرشده إليها بتزييفها والغض منها، فهو الصديق في ثياب العدو، والمحسن في صورة المسيء. أنا لا أعجب لشيءٍ عجبي لهذا الحاسد، يَنْقِمُ على محسوده نعم الله عليه، ويتمنى لو لم تبقَ له واحدةٌ منها، وهو لا يعلم أنه في هذه النقمة وفي تلك الأمنية قد أضاف إلى نِعَمِ محسوده نعمة هي أفضل من كل ما في يديه.

