ثم تقدمت نحو سرير المريض فكشفت كِلَّتُه البالية عن خيالٍ لم يبق منه إلا إهابٌ لاصقٌ بعظمٍ ناحل، فقلت: «أيها الخيال الشاخص ببصره إلى السماء، قد كان لي في إهابك هذا صديقٌ محبوبٌ فهل لك أنْ تدلني عليه؟» فبعد لأيٍ ما حرك شفتيه وقال: «هل أسمع صوت فلان؟» قلت: «نعم، ممَّ تشكو؟» فزفر زفرةً كادت تتساقط لها أضلاعه، وأجاب: «أشكو الكأس الأولى.» قلت: «أيَّ كأس تريد؟» قال: «أريد الكأس التي أودعتها مالي وعقلي وصحتي وشرفي، وهأنذا اليوم أودعها حياتي.» قلت: «قد كنت نصحتك ووعظتك وأنذرتك بهذا المصير الذي صرت إليه اليوم، فما أجديت عليك شيئًا.» قال: «ما كنت تعلم حين نصحتني من غوائل هذا العيش النكد أكثر مما كنت
...more

