More on this book
Kindle Notes & Highlights
لم يكن أحد ليرغب في العودة إلى الرباط، قبل أن يؤدي فريضة الحج إلى بيت الله بمكة(2)، ويعود مسلماً حاجاً. وعند صلاة العشاء، يتحول مطار الدار البيضاء بصالة السفر وصالة كبار الزوار إلى مسجد كبير ممتد الأركان. ويتكرر هذا الأمر مرة أخرى عند صلاة الفجر.
وبدلاً من الموسيقى "المخدرة"، التي اعتدنا أن نسمعها عند إقلاع الطائرات، تنبعث من أجهزة الاستماع بالطائرة آيات من القرآن الكريم.
ولكن أهم ما في الأمر هو أن الحجاج كافة يرتدون الثياب نفسها، يستوي في ذلك أغنياؤهم و فقراؤهم، أقویاؤهم وضعفاؤهم، أذکیاؤهم و بسطاؤهم، کبیرهم وصغیرهم. ولما كانت ملابس الإحرام خالية من النقوش أو الخياطات، فلا يمكن لأحد أن يتميز عن آخر، ولو بمجرد الخياطة الأنظف ولا ترمز ملابس الإحرام فقط إلى تساوي البشر أمام الله، وإنما ترمز أيضاً إلى يوم القيامة. فلقد كنا نبدو- ونحن نقطع صالة المطار جيئة وذهاباً كمن قام من الموت وما يزال يرتدي كفنه. بل إن كثيراً من الحجاج يحتفظون بالفعل بملابس إحرامهم لتكون أكفاناً لهم.
ها نحن أولاء نقف في تقليد إبراهيمي أمام أقدم معابد التوحيد في العالم.. أمام الكعبة. والكعبة مكعب مجوف خال تماماً، مبني بأحجار ضخمة. إنها صورة معمارية لكمال بيت الله في أبسط تصوير، بعيداً عن التعقيد الذي يبدو في الفن القوطي وفن الروكوكو. وهي تُكسى بمخمل أسود مطرز بآيات من القرآن الكريم بخيوط من الذهب.
وفيما سلف من الزمان، كانت كسوة الكعبة تأتي من القاهرة هدية من الخديوي، وترفع الكسوة عن الكعبة في أثناء مدة الحج، حتى لا يتصور أحد أن بيت الله تحفة فنية، أو يراد له أن يكون تحفة فنية.

