More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
وإنما الكتاب الخليق باسم الكتاب في رأيي هو ما كان بضعة من صاحبه في أيقظ أوقاته، وأتم صوره، وأجمل أساليبه، وهو الحياة منظورة من خلال مرآة إنسانية تصبغها بأصباغها، وتظللها بظلالها، وتبدو لك جميلة أو شائهة، عظيمة أو ضئيلة، محبوبة أو مكروهة، فتأخذ لنفسك زبدتها الخالصة، وتعود بها وأنت حي واحد في أعمار عدة أو عدة أحياء في عمر واحد.
وعلى هذا لا تكون ساعاتنا مع القارئ بين الكتب إلا ساعات نقضيها في غمار هذه الدنيا بين الأحياء العائشين، أو بين الأموات الذين هم أحيا من الأحياء.
إن النقد الذي لا مقياس له غير ذوق صاحبه، ولا غاية له إلا أن يخرج بك من الكتاب بأثر يدعيه ولا يقبل المحاسبة فيه، إنما هو ثرثرة لا خير فيها،
والمعجزة في لفظها العربي قوامها الإعجاز، أي الإقناع بأن فاعلها هو الله لا سواه؛ ومن ثم يكون الرجل الذي ساقها مساق الدليل رسولًا من عند الله، وقوامها في اللفظ الإفرنجي الإعجاب والإدهاش، ولكنه معنى ناقص؛ لأن الشيء قد يكون معجبًا مدهشًا ثم يكون من عمل الناس كأكثر هذه المخترعات الحديثة قبل شيوعها، وكجميع أعمال الشعوذة وما يسمى بالسحر والكهانة، فإن هذه جميعها عجائب تخالف المألوف وتبده الناظرين إليها بما يجهلون من أسبابها، فالكلمة العربية إذن — المعجزة — أدل على معناها المقصود بها من أختها الإفرنجية، وأقرب إلى غرض أصحاب المعجزات حين يسوقها للإفحام والإقناع.
تلك هي المعجزة التي يحتاج إليها العقل الإنساني ليؤمن بما فوق إدراكه، ومتناول نقده وتعليله، فينبغي للمعجزة أولًا أن تخرق النظام الذي يعهده الناس، وينبغي لها ثانيًا أن تمنع كل ريب في حدوث ذلك الخرق بقدرة غير قدرة الله،