More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
من المعروف أن القرآن الكريم قد أطلق اسم الجاهلية على الفترة التي كانت قبل الإسلام، ولم يشفع لهم شعر رائع وأدب فذّ من أن يصفهم القرآن بهذا الوصف، لأن التراث الثقافي العربي لم يكن يحوي سوى الديباجة المشرقة، الخالية من كل عنصر (خلاق) أو فكر عميق. وإذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية، لأنه لا يغرس أفكاراً بل ينصب أصناماً؛
لأن عقل هذا المريض لم يقتن العلم ليصيره ضميراً فعالاً، بل ليجعله آلة للعيش، وسلماً يصعد به إلى منصة البرلمان. وهكذا يصبح العلم مسخة وعملة زائفة غير قابلة للصرف. وإن هذا النوع من الجهل لأدهى وأمرّ من الجهل المطلق، لأنه جهل حجرته الحروف الأبجدية؛ وجاهل هذا النوع لا يقوم الأشياء بمعانيها ولا يفهم الكلمات بمراميها، وإنما بحسب حروفها، فهي تتساوى عنده إذا ما تساوت حروفها، وكلمة (لا) تساوي عنده (نعم) لو احتمل أن حروف الكلمتين متساوية.
إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة، ولكن منطق العمل والحركة، فهو لا يفكر ليعمل، بل ليقول كلاماً مجرداً، بل أكثر من ذلك؛ فهو أحياناً يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيراً مؤثراً، ويقولون كلاماً منطقياً من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط.
وليس اللباس من العوامل المادية التي تقر التوازن الأخلاقي في المجتمع فحسب، بل إن له روحه الخاصة به. وإذا كانوا يقولون: «القميص لا يصنع القسيس» فإني أرى العكس من ذلك، فإن القميص يسهم في تكوين القسيس إلى حدٍّ ما، لأن اللباس يضفي على صاحبه روحه؛ ومن المشاهد أنه عندما يلبس الشخص لباساً رياضياً، فإنه يشعر بأن روحاً رياضية تسري في جسده، ولو كان ضعيف البنية؛ وعندما يلبس لباس العجوز فإن أثر ذلك يظهر في مشيته وفي نفسه، ولو كان شاباً قوياً.