More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
«وأنت أيها الشرق الفخيم رعاك الله. ماذا دهاك؟ ماذا أقعدك عن مسراك، أليست أرضك تلك الأرض ذات الجنان والأفنان، ومنبت العلم والعرفان. وسماؤك تلك السماء مصدر الأنوار، ومهبط الحكمة والأديان. وهواؤك ذاك النسيم العدل، لا العواصف والضباب. وماؤك ذاك العذب الغدق، لا الكدر ولا الأجاج؟».
يا شرق، لا نرى من غير الدهر فيك ما يستوجب هذا الشقاء لبنيك، ويستلزم ذلهم لبني أخيك. فلماذا قد أصبحت إذا انقطع عنك مدد أخيك بمصنوعاته، يبقى أبناؤك عراة حفاة في ظلام، بل يمنيهم فقد الحديد بالرجوع إلى العصر النحاسي بل الحجري الموصوف بعصر التعفين؟».
«وأنت أيها الوطن المحبوب، أنت العزيز على النفوس، المقدس في القلوب، إليك تحن الأشباح وعليك تئن الأرواح … أيها الوطن الباكي ضعافه: عليك تبكي العيون وفيك يحلو المنون. إلى متى يعبث خلالك اللئام الطغام؟ يظلمون بنيك ويذلون ذويك. يطاردون أنجالك الأنجاب ويمسكون على المساكين الطرق والأبواب، يخربون العمران ويقفرون الديار؟
يكون العضو الذي لا يصلح لوظيفة، أو لا يقوم بما يصلح له، حقيرًا مهانًا. وكل من يريد أن يعيش كلا على غيره، لا عن عجز طبيعي، يستحق الموت لا الشفقة، لأنه كالدرن في الجسم أو كالزائد من الظفر يستحقان الإخراج والقطع،
أن الأمة إذا ضربت عليها الذلة والمسكنة وتوالت على ذلك القرون والبطون، تصير تلك الأمة سافلة الطباع حسبما سبق تفصيله في الأبحاث السالفة، حتى إنها تصير كالبهائم، أو دون البهائم، لا تسأل عن الحرية، ولا تلتمس العدالة، ولا تعرف للاستقلال قيمة، أو للنظام مزية، ولا ترى لها في الحياة وظيفة غير التابعية للغالب عليها، أحسن أو أساء على حد سواء، وقد تنقم على المستبد نادرًا ولكن طلبًا للانتقام من شخصه لا طلبًا للخلاص من الاستبداد. فلا تستفيد شيئًا إنما تستبدل مرضًا بمرض كمغص بصداع.
أن الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها، وأما التي تحصل على أثر ثورة حمقاء فقلما تفيد شيئًا، لأن الثورة غالبًا تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى مما كانت أولا.

