‫طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد‬ (Arabic Edition)
Rate it:
3%
Flag icon
وإني أرى أن المتكلم في الاستبداد عليه أن يلاحظ تعريف وتشخيص «ما هو الاستبداد؟ ما سببه؟ ما أعراضه؟ ما سيره؟ ما إنذاره؟ ما دواؤه؟» وكل موضوع من ذلك يتحمل تفصيلات كثيرة وينطوي على مباحث شتى من أمّاتها: ما هي طبائع الاستبداد؟ لماذا يكون المستبد شديد الخوف؟ لماذا يستولي الجبن على رعية المستبد؟ ما تأثير الاستبداد على الدين؟ على العلم، على المجد، على المال، على الأخلاق. على الترقي، على التربية، على العمران؟ من هم أعوان المستبد؟ هل يُتحمل الاستبداد؟ كيف يكون التخلص من الاستبداد؟ بماذا ينبغي استبداد الاستبداد؟ قبل الخوض في هذه المسائل يمكننا أن نشير إلى النتائج التي تستقر عندها أفكار الباحثين في هذا ...more
3%
Flag icon
يقول المادي: الداء القوة والدواء المقاومة. ويقول السياسي: الداء استعباد البرية والدواء استرداد الحرية. ويقول الحكيم: الداء القدرة على الاعتساف والدواء الاقتدار على الاستنصاف. ويقول الحقوقي: الداء تغلب السلطة على الشريعة والدواء تغليب الشريعة على السلطة. ويقول الرباني: الداء مشاركة الله في الجبروت والدواء توحيد الله حقا. وهذه أقوال أهل النظر. وأما أهل العزائم: فيقول الأبي: الداء مد الرقاب للسلاسل والدواء الشموخ عن الذل. ويقول المتين: الداء وجود الرؤساء بلا زمام والدواء ربطهم بالقيود الثقال. ويقول الحر: الداء التعالي على الناس باطلا والدواء تذليل المتكبرين. ويقول المفادي: الداء حب الحياة والدواء ...more
5%
Flag icon
وأشد مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية.
5%
Flag icon
أنه ما من حكومة عادلة تأمن المسئولية والمؤاخذة بسبب غفلة الأمة أو التمكن من إغفالها إلا وتسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد، وبعد أن
7%
Flag icon
أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، ويسمى استبداد المرء على نفسه، وذلك أن الله جلت نعمه خلق الإنسان حرا قائده العقل، ففكر وأبى إلا أن يكون عبدا قائده الجهل.
8%
Flag icon
الاستبداد يد الله القوية الخفية يصفع بها رقاب الآبقين من جنة عبوديته إلى جهنم عبودية المستبدين الذين يشاركون الله في عظمته ويعاندون جهارا، وقد ورد في الخبر: (الظالم سيف الله ينتقم به ثم ينتقم منه)، كما جاء في أثر آخر: (من أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه) ولا شك في أن إعانة الظالم تبتدئ من مجرد الإقامة في أرضه.
9%
Flag icon
فالمستبدون يتولاهم مستبد والأحرار يتولاهم الأحرار، وهذا صريح معنى: (كما تكونوا يولَ عليكم).
11%
Flag icon
وربما كان أول من سلك هذا المسلك أي استخدم الدين في الإصلاح السياسي هم حكماء اليونان، حيث تحيلوا على ملوكهم المستبدين في حملهم على قبول الاشتراك في السياسة بإحيائهم عقيدة الاشتراك في الألوهية،
14%
Flag icon
بناء على ما تقدم لا مجال لرمي الإسلامية بتأييد الاستبداد مع تأسيسها على مئات من أمثال هذه الآيات البينات التي منها قوله تعالى وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ أي في الشأن، ومن قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ أي أصحاب الرأي والشأن منكم، وهم العلماء والرؤساء على ما اتفق عليه أكثر المفسرين، وهم الأشراف في اصطلاح السياسيين. ومما يؤيد هذا المعنى أيضا قوله تعالى: وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ أي ما شأنه، وحديث «أميري من الملائكة جبريل» أي مشاوري.
15%
Flag icon
والأغرب من هذا وذاك أنهم جعلوا للفظة العدل معنى عرفيا وهو الحكم بمقتضى ما قاله الفقهاء حتى أصبحت لفظة العدل لا تدل على غير هذا المعنى، مع أن العدل لغة التسوية؛ فالعدل بين الناس هو التسوية بينهم، وهذا هو المراد في آية: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وكذلك القصاص في آية: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ المتواردة مطلقا، لا المعاقبة بالمثل فقط على ما يتبادر إلى أذهان الأسراء الذين لا يعرفون للتساوي موقعا في الدين غير الوقوف بين يدي القضاة.
16%
Flag icon
وقد ظهر مما تقدم أن الإسلامية مؤسسة على أصول الحرية برفعها كل سيطرة وتحكم بأمرها بالعدل والمساواة والقسط والإخاء، بحضها على الإحسان والتحابب. وقد جعلت أصول حكومتها: الشورى الأرستقراطية أي شورى أهل الحل والعقد في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم. وجعل أصول إدارة الأمة: التشريع الديمقراطي أي الاشتراكي حسبما يأتي فيما بعد. وقد مضى عهد النبي عليه السلام وعهد الخلفاء الراشدين على هذه الأصول بأتم وأكمل صورها. ومن المعلوم أنه لا يوجد في الإسلامية نفوذ ديني مطلقا في غير مسائل إقامة شعائر الدين ومنها القواعد العامة التشريعية التي لا تبلغ مائة قاعدة وحكم، كلها من أجل وأحسن ما اهتدى إليه المشرعون من قبل ومن بعد.
17%
Flag icon
وبهذا التشديد الذي أدخله على الدين منافسو المجوس، انفتح على الأمة باب التلوم على النفس، واعتقاد التقصير المطلق، وأن لا نجاة ولا مخرج ولا إمكان لمحاسبة النفس فضلا عن محاسبة الحكام المنوط بهم قيام العدل والنظام. وهذا الإهمال للمراقبة، وهو إهمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد أوسع لأمراء الإسلام مجال الاستبداد وتجاوز الحدود. وبهذا وذاك ظهر حكم حديث: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب». وإذا تتبعنا سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع الأمة، نجد أنهما مع كونهما مفطورين خير فطرة، ونائلين التربية النبوية لم تترك الأمة معهما المراقبة والمحاسبة ...more