More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
وكان يحب الغناء بروحه وجسمه، أما روحه فتطرب وتغمرها الأريحية، وأما جسمه فتهتاج حواسه وترقص أطرافه خاصة الرأس واليدان، ولهذا احتفظت نفسه لبعض المقاطع الغنائية بذكريات روحية وجسدية لا تنسى،
تتطلع إليها القلوب الهاشة لأفراح الحياة،
لم يكن يصلى صلاة آلية قوامها التلاوة والقيام والسجود، ولكن صلاة عاطفة وشعور وإحساس يؤديها بنفس الحماس الذى ينفضه على ألوان الحياة التى يتقلب فيها جميعا، كما يعمل فيتفانى فى عمله، ويصادق فيفرط فى مودته، ويعشق فيذوب فى عشقه، ويسكر فيغرق فى سكره. مخلصًا صادقًا فى كل حال، هكذا كانت الفريضة حجة روحية يطوف فيها برحاب المولى،
لم تكن سعادة خالصة، ولم يكن خوفًا خالصا، كان قلبها موزعا بين هذا وتلك فهما يتجاذبانه بلا رحمة، إذا استنامت إلى نشوة الفرح وسحره قرعت قلبها مطرقة الخوف محذرة متوعدة فلا تدرى أيجمل بها أن تقلع عن مغامرتها أم تتمادى فى مطاوعة قلبها.
هذا السطح بسكانه من الدجاج والحمام، وبستانه المعروش، هو دنياها الجميلة المحبوبة، وملهاها الأثير فى هذا العالم الكبير الذى لا تعرف عنه شيئا،
وكان إيمانه عميقا. أجل كان إيمانا موروثا لا دخل للاجتهاد فيه، بيد أن رقة مشاعره ولطافة وجدانه وإخلاصه أضفت عليه إحساسا رهيفا ساميا نأى به عن أن يكون تقليدًا أعمى، أو طقوسا مبعثها الرغبة أو الرهبة فحسب، وبالجملة كان أبرز ما يتميز به إيمانه بالحب الخصب النقى.
وإذا كان الماضى أحداثا وذكريات هى بطبعها عرضة للتخلخل أو النسيان فهذا الدكان يقوم شاهدًا مجسمًا يكشف مخلخله ويفضح منسيه.
لا تلج فى تعذيبى وأنت وحيدى.
كأن وجهها مرآة شديدة الحساسية لا تترك كبيرة ولا صغيرة مما فى أعماقها إلا سجلته،
ووجدت عواطفها الظامئة قطبا تنجذب إليه فى هيمانها، كأن حبها نوع من «القابلية» أكثر منه تعلقا برجل بالذات، فإذا استبعد رجل وحل محله آخر ظفرت قابليتها بما يشبعها، ومضى كل شىء فى سبيله، وقد يكون رجل آثر عندها من آخر ولكن ليس إلى الحد الذى يفسد معه طعم الحياة أو يدفع إلى التمرد والعصيان،

