More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
ولا تنس يا شيخ متولى أن غوانى اليوم هن جوارى الأمس واللاتى أحلهن الله بالبيع والشراء، والله من قبل ومن بعد غفور رحيم.
وكيف هوَّن عليه يوم الختان ـ على ـ فظاعته ـ فملأ حجره بالشيكولاتة والملبس وشمله بعطفه ورعايته، ثم ما أسرع أن تغير كل شىء فتبدل عطفه صرامة، ومناغاته زعقا، ومداعباته ضربًا، حتى الختان نفسه اتخذه أداة لإرهابه حتى اختلط عليه الأمر ردحا من الزمن فظن أنه من الممكن حقًا أن يلحقوا ما تبقى له بما ذهب!
وكأن فى تقابلهما جنبا لجنب ما يدعو إلى تأمل قوانين الوراثة العجيبة وقانون الزمن الصارم، كأنهما شخص واحد وصورته المنعكسة فى مرآة المستقبل أو نفس الشخص وصورته المنعكسة فى مرآة الماضى وبين الأصل والصورة على الحالين ما يشير إلى الصراع الرهيب الناشب بين قوانين الوراثة التى تعمل على التشابه والبقاء من ناحية وبين قانون الزمن الذى يدفع إلى التغير والنهاية من ناحية أخرى، ذلك الصراع الذى ينجلى عادة عن سلسلة من الهزائم تلحق تباعا بقوانين الوراثة حتى يغدو قصاراها أن تؤدى وظيفة متواضعة فى نطاق قانون الزمن الصارم. فى نطاق ذلك القانون استحالت الأم العجوز جسما نحيلا ووجها ذابلا وعينين لا تبصران إلى تطورات
...more
«ألم يئن الأوان يا بنت المركوب؟!.. ذبت يا مسلمين، ذبت كالصابونة ولم يبق منها إلا رغوة، هى تعلم بهذا ولا تريد أن تفتح النافذة، تدللى.. تدللى يا
بنت المركوب، ألم نتفق على هذا الميعاد؟ ولكن لك حق.. فردة ثدى من صدرك تكفى لخراب مالطة.. وفردة تالية تطير مخ هندنبرج، عندك كنز، ربنا يلطف بى، ربنا يلطف بى وبكل مسكين مثلى يؤرقه الثدى الناهد والعجيزة المدملجة والعين المكحولة، العين المكحولة فى الآخر، إذ رب ضريرة ريَّا الروادف كاعب الثديين خير ألف مرة من عجفاء مسحاء مكحولة العينين، يا بنت العالمة وجارة التربيعة.. تلك لقَّنتك أصول الدلال وهذه تمدُّك بأسرار الجمال، لهذا ينهد ثدياك من كثرة من عبث بهما من العشاق، اتفقنا على الميعاد لست أحلم، افتحى النافذة، افتحى يا بنت المركوب، افتحى يا أجمل من أقشعرات له سرتى، ومص الشفة ورضع الحلمة لأنتظرن حتى مطلع
...more
ـ آه لو رأيته وهو ينصت بين أخويه إلى صابر وشفتاه تتحركان مع الغناء فى انسجام تام ولا انسجام أحمد عبد الجواد نفسه. على حين خاطب محمد عفت السيد أحمد متسائلا: ـ المهم أن تخبرنا هل أعجبك صوته فى دور «يا طير يا للى على الشجر»؟ فضحك السيد قائلا وهو يشير إلى نفسه: ـ ذاك الشبل من هذا الأسد. فهتف الفار قائلا: ـ الله يرحم اللبؤة الكبيرة التى أنجبتكم.
كان يعانى فى حيرة بالغة ولأول مرة فى حياته ذاك المرض المتوطن فى نفس الإنسان الملل. لم يعرفه من قبل عند زنوبة ولا حتى عند بائعة الدوم لأنه لم يملك هذه أو تلك كما يملك زينب الآن بيمينه ويحوزها تحت سقف بيته، فأى فتور يتبخر من تلك «الملكية» الآمنة المطمئنة.. الملكية ذات الظاهر الخلاب المغرى لدرجة الموت والباطن الرزين الثقيل لحد اللامبالاة أو التقزز كأنها الشيكولاتة المزيفة التى تهدى فى أول إبريل بقشرة من الحلو وحشو من الثوم.
وغادر المجلس وهو يشير إلى زينب لتلحق به فتجهز له ملابسه، فشيعه فهمى بنظرة لا تخلو من غضب، غضب من لم يظفر بمشاركة وجدانية تتجاوب مع نفسه المتأججة، لشد ما تثير أحاديث الوطنية أكبر الأحلام فى نفسه، فى دنياها الساحرة تتراءى لعينيه دنيا جديدة، ووطن جديد، وبيت جديد، وأهل جدد، ينتفضون جميعا حيوية وحماسة ولكن ما أن يفيق على هذا الجو الخانق من الفتور والسذاجة وعدم المبالاة حتى تشب بين أضلعه نار الحسرة والألم فتروم فى قهرها متنفسا ـ أيًّا ما كان
تنطلق منه إلى السماء، ود فى تلك اللحظة بكل قوته لو ينطوى الليل فى غمضة عين ليجد نفسه مرة أخرى فى مجمع الطلاب من إخوانه فيروى ظمأه إلى الحماس والحرية ويسمو فى وقدة حماسهم إلى ذلك العالم الكبير من الأحلام والمجد، لقد تساءل ياسين عن ماذا يصنع سعد حيال بلد تعد اليوم بحق سيدة العالم، وهو نفسه لا يدرى على وجه التحقيق ماذا سيصنع سعد، ولا يدرى ماذا يمكن أن يصنع، ولكنه يشعر بكل ما فى قلبه من قوة بأن ثمة ما يجب عمله، ربما لم يجده ماثلا فى عالم الواقع، ولكنه يشعر به كامنا فى قلبه ودمه، فما أجدره أن يبرز إلى ضوء الحياة والواقع أو فلتمض الحياة عبثا من العبث وباطلا من الأباطيل.