More on this book
Kindle Notes & Highlights
إن تِلك المِحنة التي تسحق رأسي الآن، لم تراود أسوَد كوابيسي، ولم ينزل بها وَحي من السماء، أو تُنبئني بها فُروع اللبلاب المنتشرة عَلى الحائط، بل لقد أصابتني المُصيبة بغتة ودون سابق إنذار، سَاعتها، أدركت أن امتحان السماء لا مَحالة آتٍ، فتوضأت وصلَّيت، ورسمت الصليب على رأسي وأكتافي واستغفرت، وانتظرت، انتظار «أيوب» للبلاء في صمت،
السَّبع لما ينام، تمشي على ضهره الفيران.
«الدبَّان ما يحُطّش إلا عَ العيَّان»،
ولَم أتخذ وقتًا لأُدرك بالمفهومية والفطانة، أن البَصَّاصة الأوساخ وبأمر مِن الباب العالي بالأستانة(********) طبعًا، ومين غيره؛ السُّلطان «عبد العزيز» الأول، عَدوّي اللَّدود، أرسل مَن تَوالَس مَع الحُرَّاس حتى يُغروا «عَديلة» بأن تدهن بِزّها الشمال بالسُّم الزعاف، يُريدون التخلص مني بالقتل رِضاعة،
واستحالة تحمل عواقب الفرار مِن ليمان «الديميرخانة»، خشية المُجازفة بفقدان رجُل مِثلي هيهات هيهات أن يجود الزمان بمثله، في مُواجهة رصاص بنادق «الشاسبوت» الفرنساوي التي يحملها القواصة، فتخسر المَحروسة بتلك الفعلة البركة والكفاءة، ويزول الحق بزوالي، ويَسود الباطل بسيادة أمثال ريس البوليس الإيطالياني «كارليسمو».
رَغم أنني أفقر الأنبياء، حُرِمت من عَصا مُوسى والبُراق، ولا يُقبل لي دُعاء، كُنت سُليمان «الثاني - مُكرر» بين جُملة الرُّسل، ولم أفهم لغة الحيوانات، لكن يَكفيني شرفًا ومجدًا؛ أن روضت الذباب الأزرق يومًا، وعلَّمت أسماك البحر السباحة والغوص في الأعماق.
تحت اسم «توليفة سليمان، سَاحر البلابل ومهيِّج المدامات»،
حَفر القناة السويسية(********)، تلك البدعة الملعونة التي ينتظرها العالم، والتي ستمزق شِبه جزيرة سيناء، وتفشخ البحر الأحمر كوركَي الفرخة، فتبتعد قارتنا الإفريقية عن شقيقتها الآسيوية، لنهيم في المُحيط طافين، مُبتعدين عن كعبة مَكة وقُدس فلسطين، فتغادرنا البَركة، ويَهجرنا البخت والحظ، وضَروري سنخبط في صَخرة، فتنقلب القارة بمَن فيها، ونغرق في ثانية، كُل ذلك من أجل أولاد الزانية.
وذكَّرت نفسي، بأن البشر صَنفان، فِيهم مَن تسعَى الحظوظ إليه، وفيهم من يِبعبص رُوحه بيَديه.
«إيش يفرق لو كان طويل مدَّاد؛ إن ما كانش شديد سَدّاد!».